ديدان الفيلاريا / النمل / النمل الأبيض / النحل
ديدان الفيلاريا :
ومن هذا القبيل أمر عجيب حار العلماء فيه فترة من الزمن إلى أن وصلوا إلى سره ألا وهو دورة حياة الديدان التي تسبب مرض الفيل، وهي ديدان الفيلاريا ، تعيش هذه الديان في طورها الكامل في الأوعية الليمفاوية والغدد الليمفاوية للإنسان ، وتسد الأوعية الليمفاوية ،فتسبب تضخم بعض الأعضاء ، وعلى الأخص الساقين أو إحداهما ، حيث تصبح ساق الإنسان في حجم ساق الفيل .
وتتزاوج هذه الديان أثناء وجودها داخل الأوعية الليمفاوية، وتنتج ديدانا صغيرة تنتقل من الأوعية الليمفاوية إلى الأوعية الدموية ، وإذا بقيت هذه الديدان في الأوعية الدموية فإنها تعجز عن إتمام دورة حياتها ، إذا لا بد لها أن تنتقل إلى جسم بعض أنواع البعوض ، لكي تتم تلك الدورة وتصبح قادرة على عدوى إنسان آخر ، فإذا امتصت البعوضة دم إنسان مصاب ، فإنها تمتص مع الدم عددا من هذه الديدان الصغيرة التي تنمو داخل جسم البعوضة حتى يكتمل نموها ، وتصبح قادرة على عدوى الإنسان إذا حقنتها البعوضة في دمه أثناء عملية امتصاصها لدم إنسان سليم .
ولقد حاول العلماء الحصول على هذه الديدان من دم المصابين بهذا المرض ، ولكن جميع محاولاتهم كانت تبوء بالفشل ، إلى أن حدث شيء عجيب،في إحدى الليالي كان أحد العلماء ساهرا في معمله حتى ساعة متأخرة من الليل فأخذ عينة من دم إنسان مصاب بهذا المرض ، وفحصها ، تحت الميكروسكوب وفوجئ بوجود عدد هائل من هذه الديدان ، وفي أثناء النهار في اليوم التالي أخذ عينة من المصاب نفسه ، فلم يجد للديدان أثرا ، واحتار في تفسير هذه الظاهرة العجيبة ، لماذا توجد في عينة الدم إذا أخذها من المصاب ليلا ، ولا توجد إذا أخذها نهارا.
وأتضح أن تلك الديدان الصغيرة تهرب إلى الأوعية الدموية الداخلية في أثناء النهار، ثم تعود إلى الأوعية الدموية القريبة من سطح الجلد ليلا.
والحكمة من ذلك هي أن البعوض الذي يتغذى على دم الإنسان لا ينشط إلا أثناء الليل، ولذلك فإن الديدان تنتقل إلى الأوعية الدموية القريبة من سطح الجلد ليلا، لكي يتمكن البعوض من امتصاصها مع الدم، لتتم دورتها داخل جسم البعوضة.
إن هذه الديدان لا تدري شيئا ، ولا تعرف شيئا ، إنها مجهرية لا ترى بالعين ، ولكنها تدرك أن البعوض لا يأتيها إلا في الليل ولذلك فهي تعرض نفسها له.
فمن الذي علمها هذا وهي لم ترى البعوض ، ولم تعش معه ، ولا تعرف شيئا عن وقت نشاطه أو خموله .
لا شك أنه الإلهام الإلهي في أبدع صورة وأغربها، ليدل على عظمة الله وقدرته .
النمل:
لنتوغل ثانية في عالم الحيوان ، لنتمتع بمشاهدة عجائب القدرة الإلهية في هذا العالم المليء بالأسرار ، ولننظر إلى النمل ، هذه الحشرة الصغيرة التي تشبه الإنسان إلى حد كبير في كثير من عاداته ، من بناء المدن ، وشق الطرق ،وحفر الأنفاق ، وتخزين الطعام ، وإقامة الحدائق ، والعناية بالزراعة، واستئناس الحيوانات لخدمتها ، وشن الحروب ، وأخذ الأسرى .
إن الإنسان عندما يسمع هذا الكلام يتوهم أننا نتكلم من وحي الخيال، إلا أنها الحقيقة التي غفل عنها كثير من الناس.
لقد استأنس النمل مئات الأجناس من الحيوانات الأدنى منه شأنا، قبل أن يوجد الإنسان على ظهر الأرض بملايين السنين، ولقد وجد نحو ألفي نوع من هذه الحشرات المختلفة داخل مساكن النمل الذي نجح في استئناسها بينما لم يستأنس الإنسان سوى عشرين نوعا تقريبا.
إن النمل يحب مادة حلوة هي ” الندوة العسلية ” ولكن هناك حشرات أخرى وخصوصا المن منها، تتخم نفسها بهذا السائل الحلو، ولهذا عمد النمل إلى استخدامها في جمع هذا السائل، ولهذا يرسل النمل رسله في الربيع لتجمع له
بيض هذه الحشرات إلى مستعمرته ، ومن ثم يعنى بها ، ويهتم بشأنها ،فإذا فقس البيض ، وخرجت منه الصغار ، أطعمها النمل وأكرمها ، وبعد فترة قصيرة يحمل النمل صغار المن إلى الخارج ، ويضعه على النباتات التي تفرز ” الندوة العسلية ” ، وعند مجيء الليل يقود النمل ثانية هذه الحشرات إلى المستعمرة ،
تماما كما يفعل الفلاح حينما يعود بالبقر مساء من المراعي كي يحلبها ، ويبدأ النمل بحلب حشرة المن ، ولكن بطريقة عجيبة ، وهي تتمثل بمسح نملة ما ظهر حشرة المن التي لا تلبث أن تفرز المادة الحلوة بهذه المسحة ،ولقد وجدت بعض حشرات المن تعطي ثمانيا وأربعين نقطة من هذا السائل خلال أربع وعشرين ساعة .
وقد بلغ حسن التدبير عند النمل إلى درجة أنه يبني حجرات خاصة لما يحتفظ به من حشرات المن، كما يفعل الفلاح عندما يبني الحظائر لأبقاره.
ومن شغالة النمل صنف معين يصبح بمثابة براميل حية لخزن الرحيق وعصارة بعض الأشجار والنباتات ، وهي تمتلئ بهذا السائل الحلو حتى تنتفخ معدتها كالبالون الصغير ، وتتعلق في سقف العش عاما بعد عاما ، وتملؤها الشغالة الأخرى بالرحيق .
إنها تضحية عجيبة، قلما يوجد مثلها في أرقى المجتمعات البشرية (1)
ولا يعني النمل بتربية المواشي وحدها ، بل يعتني كذلك بالزراعة وفلاحة الأرض ، ولقد شاهد أحد العلماء في إحدى الغابات قطعة من الأرض ، قد نما بها أرز قصير من نوع نصف بري ، كانت مساحة القطعة خمسة أقدام طولا في ثلاثة عرضها ، وكان طول الأرز نحو ستة سنتيمترات ، ويتراءى للناظر إلى هذه البقعة من الأرض أنه لا بد أن يكون هناك من يعنى بها ، فالطينة حول الجذور كانت مشققة ، والأعشاب الغريبة كانت مستأصلة ، والغريب أنه لم يكن على مقربة من هذا المكان عود آخر من الأرز ، فهذا الأرز لم ينم من تلقاء نفسه . وإنما زرع زراعة ، ولوحظ أن طوائف من النمل تأتي إلى هذا المزروع وتذهب عنه ،فاستلقى العالم على الأرض يلاحظ ماذا تصنع ، ولم يلبث أن عرف هذا النمل هو القائم بزراعة الأرز في تلك البقعة ، وأنه اتخذها مزرعة ليزاول مهنة الزراعة فيملأ وقته ،وكان النمل يتعاون على هذه المهنة ، فبعضه كان يشق الأرض ويحرثها ، وبعضه الآخر كان يزيل الأعشاب الضارة ، فإذا ظهر عود من عشب غريب ، قام إليه بعض النمل وقضمه ، ثم حمله بعيدا عن المزرعة ، فلما نمى الأرز ، وصار طوله ستين سنتيمترا ، ونضجت حبوبه ، وبدأ موسم الحصاد ، شوهد صف من شغالة النمل لا ينقطع متجها نحو العيدان ، فيتسلقها إلى أن يصل إلى حبوب الأرض فينتزع كل شغال من النمل حبة ، وتهبط بها إلى الأرض ، ثم تذهب بها إلى مخازن تحت الأرض ، بل الأعجب من ذلك أن طائفة من النمل كانت تتسلق الأعواد ، فتلتقط الحب ، ثم تلقي به إلى الأرض ، بينما كانت طائفة أخرى تتلقاه وتذهب به إلى المخازن .
ويعيش هذا النوع من النمل عيشة مدنية، في بيوت كبيوتنا، ذات شقق وطوابق، بعضها فوق الأرض، وبعضها تحت الأرض، وفي هذه المدن نجد الخدم، والعبيد، والممرضات التي تعنى بالمرضى ليلا ونهارا، كما نجد شغالات عملها رفع جثث من يموت من النمل.(1)
كما أن النمل عندما يرى الشمس ساطعة والنهار دافئا في فصل الشتاء، يعمد إلى إخراج الحبوب التي كان قد ادخرها في مخازنه، وربما أصابتها رطوبة الشتاء ، يعمد إليها ، ويخرجها نهارا إلى ظاهر المستعمرة لتجف في أشعة الشمس، والأعجب من هذا أنه إذا جاء المساء، أو أدرك بحواسه الخاصة أن الجو قد تغير وأنه سوف يمطر،عاد سريعا وأدخل تلك الحبوب إلى مخازنها (2)
من الذي علم النمل هذا ، وكيف وصل النمل إلى هذا النوع من المدنية الراقية ، والحياة الاجتماعية المتكافلة التي ربما قصر دون الوصول إليها الإنسان ، ولماذا لم نجد هذه المدنية الراقية عند جميع الحشرات ، إنها حكمة الله التي لا يجهلها إلا جاحدا أو معاند .
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {لقمان/11}
أولا يرى الإنسان في هذا الذي ذكرناه مصداق قول الله تعالى في قصة سليمان عليه السلام :
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ {النمل/17} حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {النمل/18}
بل . . إنه تصديق العلم للدين وإذعانه لحكم الله
النمل الأبيــض
النمل الأبيض نوع من أنواع النمل، يعيش في مستعمرات خاصة أيضا، وفي بيئة خاصة.
فإذا زاد عدد أفراد المستعمرة عن الحد المعقول بالنسبة لكمية الغذاء المتوفرة في المستعمرة، أو في الخارج، فإن هذه الحشرة تدرك هذه الحقيقة فتبدأ الأفراد في التهام عدد كبير من البيض، وبذلك تكون قد حلت مشكلة زيادة السكان والغذاء. . إذ أن أكل البيض يعتبر أولا غذاء وثانيا تحديداَ للنسل. . وهذه الحشرة تتغذى على الأخشاب وتلتهمها بشراهة تصل لدرجة أن الإنسان قد يتناول طعامه في بعض الأماكن التي ينتشر فيها هذا النمل يتناول طعامه مساء على منضدة الطعام ، ثم يأتي صباحا ، فلا يجد أثرا لتلك المنضدة ، ولا للأبواب ، ولا للنوافذ الخشبية ، إذ تكون هذه الحشرة قد أتت عليها ليلا وحطمتها .
ولما ذا يختار هذا النمل الخشب غذاء له ، مع أن الخشب لا يحتوي على أية مواد عضوية قابلة للهضم ، لقد تحير العلماء في هذه الظاهرة فترة طويلة من الزمن إلى أن اكتشفوا السر ، وهو أنه يوجد داخل الجهاز الهضمي لجميع أفراد هذه الحشرات حيوانات دقيقة أولية ، يتكون جسمها من خلية واحدة ، وهذه الحيوانات الأولية تفرز أجسامها إفرازات تحول الخشب إلى مواد غذائية قابلة للهضم ، هي التي تغذي النمل الأبيض .
ومن العجب أنه لم يحدث إطلاقا أن اكتشفت نملة بيضاء واحدة تخلو أمعاؤها من هذه الحيوانات الأولية ، ولو لم توجد هذه الحيوانات داخل أمعاء النمل الأبيض منذ خلقها لما أمكن استمرارها ، ولا نقرضت منذ أول جيل من أجيالها .
أو يمكن لعاقل أن يقول: أن هذا وجد نتيجة لمصادفة ومن أول يوم خلقت فيه هذه النملة، اللهم أنها آيتك ودليل قدرتك.
وفي بعض جهات استراليا الموبوءة بتلك الحشرات قد يرى السائح على مدى البصر آثار أبنية متلاحقة متصلة، فيظن أنها من القرى المهجورة. أو المدن القديمة ، إلا أنه يذهل عندما يخبره أهل المنطقة بأن هذه القرى ليست سكنا للآدميين ، وإنما هي مساكن النمل الأبيض ، وهي ترتفع عدة أمتار عن سطح الأرض ، تصنعها هذه الحشرة من مادة غريبة هي خليط من لعابها وبعض المواد الأخرى ، وهي أقوى من الأسمنت المسلح ؟! بحيث يتعذر اختراقها من قبل الحشرات الأخرى أو المياه ، وبداخلها أنفاق متشعبة يعيش فيها النمل .
كما أن هذه الحشرة يتفاهم بعضها مع بعض عن طريق لغة سرية خاصة ألا وهي أن تطرق جدار النفق برأسها طرقا معينا وبعدد معين فيفهم باقي النمل في المستعمرة ماذا تريد تلك النملة ، أو ماذا يجب أن يفعل النمل بناء على هذه التعليمات السرية .
أنها آيات القدرة الآلهة المدبرة الحليمة، أنها الأدلة الناطقة بوجود الله.
النحـل:
إن حياة النحل، ومملكته، من أعجب ما يمكن للإنسان أن يراه في عالم الحشرات، أنها حياة المدنية، المنظمة، الراقية، المتعاونة، المنتجة.
وليس العجب في أنها منتجة، ولكن العجب في أن إنتاجها يعتبر من أعجب ما أنتجه الحيوان على الأرض. . ألا وهو العسل ، الذي لا تنتهي فوائده ، مما اضطر الدول العظمى كالولايات المتحدة إلى إصدار مجلة أسمها ((النحل )) وكالاتحاد السوفيتي الذي يصدر مجلة أسمها (( المنتجات النحلية )) يضاف إلى ذلك عشرات الأبحاث والكتب التي صدرت في العالم ، والتي تتحدث عن العسل وفوائده . . لتتضافر جهود العلماء في القرن العشرين من أجل تصديق قول الله
يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ { {النحل/69}
وليحني العلم رأسه أمام الدين ويتواضع أمام عظمة الله .
وليس هذا موضوعنا، وإنما هي كلمة عابرة يقتضيها الكلام على هذه الحشرة الغريبة العجيبة بكل حياتها.
أما بيت هذه الحشرة فهو سداسي الشكل، مبني بشكل بديع وأنيق، ما عرف النحل له شكلا آخر منذ أقدم العصور.
لماذا ؟ لماذا اختار النحل الشكل السداسي ؟ هل هو عبث ، أم صدفة عمياء ؟ لا انه أرقى درجات العلم والمعرفة ، وذلك لأن أبغض شيء على النحل أن يرى فراغا في خليته ، والشكل الوحيد الذي يصلح لأن يملأ الحيز الموجود ، دون أن يترك شيئا من الفراغ هو الشكل السداسي .
هذا ما توصل إليه الإنسان المعاصر، فمن الذي علم النحلة هذا العلم، لتستغل كل الفراغ الموجود في الخلية، ومنذ ملايين السنين، قبل أن يعرف الإنسان هذا العلم، بل قبل أن يوجد الإنسان ؟
الجواب عليه في قوله تعالى : }وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ{ {النحل/68}
ولهذه الخلية ملكة ، لا ينازعها أحد في ملكها وسلطانها ، يحيط بها التوابع من كل جهة يقدمن لها الخدمة والراحة لتقوم بواجبها على أكمل وجه ، وهذا الملكة لا عمل لها إلا وضع البيض في الخلية لتستمر حياتها ويدوم نشاطها ، وهي تضع في اليوم الواحد حوالي 2000 بيضة ، وتقوم بتلقيح ما يحتاج منها إلى التلقيح وذلك بعمل ذاتي منها ، بعد أن تكون قد تلقحت من الذكر واحتفظت بالمواد المنوية التي تلقتها منه لطول حياته تفرز منه بالمقدار المناسب عند الحاجة .
وللخلية – كما للجيش – كلمة سر، تستطيع النحلة أن تعرف بواسطتها النحلة الغريبة من نحل الخلية.
أما بالنسبة للشغالات اللاتي تجنين الرحيق فعن طريق الرائحة التي تتميز بها الشغالة في ذلك اليوم بسبب الرحيق الذي تجنيه ، وذلك أن النحلة تختار كل يوم نوعاَ من الرحيق لا تجني غيره ، وبناء على ذلك تعرف النحلة من رائحة هذا الرحيق ، هل هذه النحلة من خليتها أم من خلية أخرى .
وأما بالنسبة للنحلة التي لا تخرج للجني فان لها غدة خاصة في مؤخرة البطن تدعى ( غدة ناسانوف ) تفرز الرائحة التي تتواضع عليها الخلية باتفاق ودي وجماعي ، بحيث تستطيع أن تغير هذه الرائحة بتغير الظرف والبيئة ، من أجل الحفاظ على الخلية من أن يدخلها أي عنصر غريب .
والنحل يحب النظافة ، ولذلك فهو يعمل ليل نهار على تنظيف الخلية ، كما أنه يحبها أن تكون ملساء ناعمة لامعة ، ولذلك فهو يسد الشقوق ، ويسوي السطح الداخلي للخلية ، ويلمعه بواسطة مادة صمغية تجمعها الشغالات أثناء تنقلها بين الأشجار ، تسمى (( البروبولس )) فتصير الخلية ملساء ناعمة .
وهناك مئات من النحل لا عمل لها إلا تجديد هواء الخلية ، ولذلك تقف هذه الفئة أمام باب الخلية، وتحرك أجنحتها بصورة ينجذب معها الهواء الفاسد من الفتحة العليا ويدخل الهواء النقي الجديد .
وإذا اشتدت الحرارة ، وزاد معدلها عن حده المألوف داخل الخلية قامت فئة من النحل وعملت عمل المكيف للجو ، وذلك بصب الماء على إطارات الخلية ، والأطراف العليا للأقراص ، ثم تعمد إلى تحريك أجنحتها أمام الباب لتحدث تيارا هوائيا لطيفا يمر على الماء الذي نثرته على جوانب الخلية ، فيتبخر الماء بسرعة ، مما يؤدي إلى تبريد جو الخلية .
وأما إذا برد جو الخلية وخيف على اليرقات من الموت، فانه في هذه الحالة يتنادى النحل بسرعة ويجتمع في وسط الخلية حول اليرقات، وتصدر كل واحدة منها شيئا يسيرا من الحرارة لتحفظ حياة اليرقة، وتحمي الخلية من الانقراض.
وأما لغة التفاهم عند النحل، فهي لغة غريبة وعجيبة، فان الملكة إذا أرادت أن تخرج للتلقيح، فإنها تحوم حول الخلية، وتصدر طنينا خاصة مهيجا، فتخرج الذكور مسرعة خلفها ملبية لندائها.
وإذا رأت نحلة بستانا مليئا بالزهور، فإنها تدعو جميع الشغالات إلى هذا الحقل وبلغة تحدد فيها المسافة والاتجاه.
وللتعبير عن المسافة تلجأ النحلة إلى نوعين من الرقص أحدهما الرقص الدائري حول نفسها إذا كانت المسافة لا تتجاوز خمسين مترا ، والثاني هو الرقص الاهتزازي وذلك إذا كانت المسافة أكثر من خمسين مترا ، وتختلف الرقصات الاهتزازية في عدد مرآتها باختلاف المسافة ، فلكل عدد من الاهتزازات مسافة معينة .
وأما التعبير عن الجهة التي يقع بها الحقل فيكون بصنع زوايا مع الخط الشاقولي كزاوية الطريق مع الشمس ، فتحفظ الشغالات هذه الزاوية ، وتنطلق إلى الحقل فرادى ، ولا تضل عنه أبدا .
وهذا كله إذا كان الجو صاحيا ، فإذا كان الجو غائما ، فان النحلة لا تستطيع أن تعرف الطريق إلى الحقل ، لأنها لا ترى أشعة الشمس ، ومعنى هذا أن النحل قد يموت في البلاد التي يكسوها السحاب ، ولذلك جعل الله للنحل قدرة على رؤية اللون فوق البنفسجي الذي نراه نحن أسود ، فالنحل يرى الأشعة فوق البنفسجية ، التي تخترق السحاب ، وبناء على ذلك يتمكن من معرفة جهة الحقل في حالة الصحو وفي حالة الغيوم .
أو يمكن لعاقل في الدنيا أن يقول إن كل هذا من قبيل الصدفة العمياء، أو إنه أثر من آثار الطبيعة الصماء.
إن الأمر الذي يجزم به كل عاقل على هذه الأرض أن هذا لا يمكن أن يصدر إلا عن طريق قوة مدبرة حكيمة، ألا وهي قدرة الله.
وعالم الحيوان مليء بالأسرار، لا يمكننا أن نستقصي كل ما فيه في مثل هذه المباحث اليسيرة التي نهدف من ورائها إلى إبراز أهم مظاهر القدرة الإلهية ولذلك سنكتفي بما أوردناه هنا في هذا المجال.
ولمن أراد التوسع في هذا الموضوع أن يرجع إلى أهم مصادره وهي:
1 – العلم يدعو للإيمان كريستي مورسن
2 – الطيور روبرت لمن تعريف د .كامل عطا
3 – الثعابين بسي م . همت تعريب د . عبد الحليم كامل
4 – الفراشات وأبو دقيق روبرت لمن تعريف د . كامل عطا
5 – الغريب في عالم الحيوان روبرت لمن تعريف د . كامل عطا
6 – المملكة الحيوانية وتطورها أ. ج . كين تعريف د . علي مرسي
7 – دنيا الحشرات فرديناندلين تعريف د . أحمد أبو النصر
8 – غريزة أم تقدير ألهي شوقي أبو خليل
9 – النحلة تسبح الله محمد حسن الحمصي .
10 – هل هو الله أم الطبيعة د . يوسف عز الدين عيسى
وغير ذلك من المراجع الكثيرة التي لا سبيل لحصرها.
(1) دنيا الحشرات ص / 78ـ88 وانظر غريزة أم تقدير الهي ص / 51
(1) الله الخالق أم الطبيعة ص / 4
(2) ملاحظة خاصة