نصوص الإمام الشافعى فى القنوت – موضع القنوت
هذا ويجمل بنا الآن أن نذكر بعض نصوص إمام الأئمة الشافعي في القنوت
قال الشافعي في اختلاف الحديث ص / 172 : ” باب القنوت في الصلوات كلها ”
أخبرني بعض أهل العلم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : ” كما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قتل أهل بئر معونة ، أقام خمس عشرة ليلة ، كلما رفع رأسه من الركعة الأخيرة من الصبح قال : سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمد ، اللهم افعل ، فذكر دعاءً طويلاً ، ثم كبَّر فسجد ” قال : وحُفظ عن جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم ” القنوت في الصلوات كلها ، عند قتل أهل بئر مَعُونة ”
وحُفظ عن النبي ” أنه قَنَتَ في المغرب ”
كما روي عنه من القنوت في غير الصبح ، عند قتل أهل بئر معونة ، والله أعلم .
وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” أنه ترك القنوت جملة ”
ومن روى مثل حديثه روى : ” أنه قنت عند قتل أهل بئرة معونة ، وبعده ترك القنوت ”
فأما القنوت في الصبح ، فمحفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أهل بئر معونة ، وبعده ، لم يحفظ عن احد تركه .
قال الشافعي : أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، ” أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رفع رأسه من الركعة الثانية من الصبح قال : اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين بمكة ،اللهم أشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ”
قال الشافعي : فأما ما روى أنس بن مالك من تَرك القنوت , فالله أعلم ما أراد .
فأما الذي أرى بالدلالة فإنه تَرَكَ القنوت في أربع صَلوات, دون الصبح, كما قالتْ عائشةُ :
” فُِرِضَتِ الصلاة ركعتين, فأُقرَّتْ صلاة السَّفَرِ, وزِيْدَتْ في صلاة الحَضَرِ “تعني : ثلاث صلوات دون المغرب
وترك القنوت في الصلوات سوى الصبح, لا يقال له ناسخ .
إنما يقال له الناسخ والمنسوخ ما اختلف .
فأما القنوت في غير الصبح فمباحٌ أن يقنت وأن يَدَعَ, لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يقنت في غير الصبح قبلَ قتْلِ أهلِ بئر معونةَ, ولم يقنت بعد قتل أهل بئر معونة في غير الصبح .
فدلَّ على أنّ ألك دعاءٌ مباحٌ, كالدّعاءِ المباح في الصلاةِ, لا ناسخٌ ولا منسوخ. اهـ .
وقال في اختلاف علي ابن مسعود ص 168 ج 4 من ملحقات الأم .
أخبرنا هَُشيم, عن عطاء بن السائب, عن أبي عبد الرحمن السٌُّلَميّ: ” أنّ عليا رضي الله كان يقنت في الوتر بعد الركوع, وهم لا يأخذون به, يقولون: يقنت قبل الركوع, فإن لم يقنت قبل الركوع, لم يقنت بعده, وعليه سجدتا السهو .
قال الشافعي: أخبرنا هشيمٌَّ, عن عطاء, عن أبي عبد الرحمن “أن عليا رضي الله عنه كان يقنت في صلاة الصبح قبل الركوع ”
أخبرنا هُشيم,عن معقل “أن عليا رضي الله عنه قنت في صلاة الصبح, وهم لا يرون القنوت في صلاة الصبح, ونحن نراه, للسنة الثابتة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قنت في الصبح .
أخبرنا بذلك سفيان, عن الزهري, عن سعيد, عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ” أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قَنَتَ في الصبح فقال: اللهم أَنْج ِ الوليد بن الوليد, وسلمة بن هشام, وعيا ش بن أبي ربيعة ” ا هـ .
وقال في اختلاف مالك والشافعي 8/ 248
أخبرنا مالك, عن نافع, أن ابن عمر: ” كان لا يقنت في شيء من الصلوات”
قال الشافعي: وأنتم ترون القنوت في الصبح .
قال الشافعي: أخبرنا مالك, عن هشام بن عروة, أظنه عن أبيه ـ الشك من الربيع ـ أنه كان لا يقنت في شيء من الصلاة, ولا في الوتر, إلا أنه كان يقنت في صلاة الفجر, قبل أن يركع الركعة الآخرة, إذا قضى قراءته.
قال: وأنتم تخالفون عروة فتقولون يقنت بعد الركوع
فقلت للشافعي: فأنت تقنت في الصبح بعد الركِوع ؟
قال : نعم, لأن النبي صلي الله عليه وسلم قنت, ثم أبو بكر , ثم عمر , ثم عثمان .
قلت : فقد وافقناك .
قال : أجل, من حيث لا تعلمون، وموافقتكم في هذا حجة عليكم في غيره .
فقلتُ : من أين ؟
قال : أنتم تتركون الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم ” في الحج عن الرجل” بقياس على قول ابن عمر
وتقولون: لا يجهل ابن عمر قول النبي صلي الله عليه وسلم .
فقلت للشافعي: قد يذهبُ على ابن عمر بعض السٌّنن , ويذهب عليه حفظ ما شاهد منها .
فقال الشافعي ، أََوَ يخفى عليه القنوت ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقنتُ عمرهُ ، وأبو بكر ، أوَ يذهب عليه حفظه
فقلت نعم
فقال الشافعي: أقاويلكم مختلفة كيف نجدكم ، تروون عنه إنكار القنوت, ويروي غيركم من المدنيين القنوت عن النبي صلي الله عليه وسلم وخلفائه، فهذا يُبطلُ أن العملَ كما يقولُ في كل أمرٍ
ويُبطِلُ قولَكُم: لا يخفى على ابن عمر سُنّةٌ.اهـَ .
وأخيرا إليك ما قاله الإمام العظيم البيهقي في كتابه ” معرفة السنة والآثار ”
2/70 ـ 84 قال : قال الشافعي في كتاب ” اختلاف العراقيين “:
كان أبو حنيفة نهى عن القنوت في الفجر, وبه يأخذ ـ يعني أبا يوسف ـ ويحدث به عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه لم يقنت إلا شهرا واحدا, حارب حيّا من المشركين, فقنت يدعو عليهم ، وأن أبا بكر لم يقنت حتى لقي الله ، وأن ابن مسعود لم يقنت في سفر ولا حضر، وأن عمر بن الخطاب لم يقنت، وأن ابن عباس لم يقنت، وأن عمر لم يقنت, وقال:
يا أهل العراق, اُنْبِئْتُ أن إمامكم يقوم, لا قارئ قرآن, ولا راكعا ـ يعني بذلك في القنوت، وأن عليا قنت في حرب يدعو على معاوية, فأخذ أهل الكوفة ذلك عنه، وقنت معاوية بالشام يدعو على عَلِيٍّ , فأخذ أهل الشام ذلك عنه .
قال: وكان ابن أبي ليلى يرى القنوت في الركعة الأخيرة بعد القراءة ,وقبل الركوع, في الفجر ، ويروي ذلك عن عمر بن الخطاب أنه قنت بهاتين السورتين: ” اللهم إنا نستعينك ونستغفرك , ونثني عليك الخير, ولا نكفرك, ونخلعُ ونتْرك من يفجُرك,اللهم إياك نعبدُ, ولك نصلي ونسجد, وإليك نسعى ونحفِدُ, نرجو رحمتك,ونخشى عذابك, إن عذابك بالكفار ملحِق “(1)
وكان يحدث عن ابن عباس, عن عمر, بهذا الحديث, ويحدث عن علي أنه قنت.
قال البيهقي:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, وأبو بكر, وأبو زكريا, قالوا: حدثنا أبو العباس, قال:أخبرنا الربيع, قال: أخبرنا الشافعي, قال: أخبرني بعض أهل العلم عن جعفر ابن محمد, عن أبيه أنه قال:
” لما انتهي إلى النبي صلي الله عليه وسلم قتل أهل بئر معونة, أقام خمس عشرة ليلة, كلما رفع رأسه من الركعة الأخيرة من الصبح قال: سمع الله لمن حمده , ربنا لك الحمد, اللهم افعل, فذكر دعاءً طويلاً.
قال البيهقي:
قد روينا دعاء النبي صلي الله عليه وسلم على من قتلهم خمسة عشر يوما من حديث حميد الطويل , وعلقمة بن أبي علقمة, عن أنس بن مالك.
وروينا عن قتادة وغيره, عن أنس بن مالك في قتل أهل بئر معونة قال : ” فقنت رسول الله صلي الله عليه وسلم شهرا يدعو في صلاة الصبح على حيٍّ من أحياء العرب,
قيل : رِعْل , وذكون , وعصية , وبني لحيان ”
وقال بعضهم : أربعين صباحا .
وقول من قال : شهرا ، أصح ، ورواته أكثر .
أخبرنا أبو عبد الله ، قال : حدثنا أبو العباس قال : أخبرنا الربيع قال :
أخبرنا الشافعي قال : وحُفِظَ عن جعفر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم القنوت في الصلاة كلها ، عند قتل أهل بئر معونة .
وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في المغرب .
قال البيهقي : قد روينا عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ” قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا ، في الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، والصبح، إذا قال : ” سمع الله لمن حمده ” من الركعة الأخيرة ، يدعو على أحياء من بني سَليم، على رِعل ، وذكوان ، وعُصية ، ويُؤَمن من خلفه ، وكان أرسل إليهم يدعوهم إلى الإسلام ، فقتلوهم (2) ”
وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب ” أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في المغرب والفجر ”
قال الشافعي : وكُل ما روي عنه في القنوت ، في غير الصبح ، عند قتل أهل بئر معونة والله أعلم .
قال البيهقي :
وقد روى يحيى بن ابي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قنوته في العشاء حين دعا للوليد بن الوليد ، وأصحابه ، بالنجاة ودعا على مضر .
وخالفه الزهري ، فروى عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قنوته في الفجر ، وفي هذه القصة .
والذي روى يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة ” والله لأْقرَبنَّ
بكم صلاة رسول الله صلي الله عليه, فكان أبو هريرة يقنت في الظهر, والعشاء,والصبح, ويدعو للمؤمنين, ويلعن الكفار(3) ”
ليس فيه بيان الوقت الذي حمله عن رسول الله صلي الله عليه وسلم .
فيحتمل أن يكون حمله عنه في قصة أهل بئر معونة, ويجوز أن يكون يحيى بن أبي كثير, من هذا الحديث, غلط, إلى ذكر العشاء في الحديث الأول .
والزهري أحفظ منه, ومع روايته عن أبي سلمة روايتُهُ عن ابن المسيب في ذكرالفجر,دون العشاء .
قال الشافعي :
وروى أنس عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قنت, وترك القنوت جملة .
ومن روى مثل حديثه : روى أنه قنت عند قتل أهل بئر معونة, ثم ترك القنوت.
قال البيهقي :
قد روى هشام, عن الدستواني, عن قتادة, عن أنس,” أن رسول الله صلي الله
عليه وسلم قنت شهرا يدعو على حيّ من أحياء العرب , ثم تركه ”
هكذا, مطلقا, كما قال الشافعي .
ثم في رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة, وأبي مِجْلز, وأنس بن سيرين,وعاصم الأحول, ما دل على أن ذلك كان عند قتل أهل بئر معونة .
ورُوي في رواية غير قوية, عن علقمة, عن ابن مسعود قال : ” قنت رسول الله صلي الله عليه وسلم شهرا يدعو على عُصية وذكوانَ, فلما ظهر عليهم, ترك القنوت(4)”
قال الشافعي : فأما القنوت في الصبح فمحظوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قتل أهل بئر معونة وبعده ، ولم يحفظ أحد ٌعنه تركه ، واجتمع بما : أخبرنا أبو عبد الله ، وأبو زكريا ، قالوا : حدثنا أبو العباس ، قال ، أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي, قال: أخبرنا سفيان بن عيينة, عن الزهري, عن ابن المسيب, عن أبي هريرة:” أن النبي صلي الله عليه وسلم لما رفع رأسه من الركعة الثانية من الصبح قال: اللهم أنْجِ الوليدَ بن الوليد, وسلمةَ بن هشام, وعيا ش بن أبي ربيعة,
والمستضعفين بمكة, اللهم اشدُدْ وطْأتكَ على مضر, واجعلها عليهم سنين كسِنِيِّ يوسفَ “(5)
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله: وأما ما روى أنس بن مالك من ترك القنوت فالله أعلم ما أراد .
فأما الذي أرى بالدلالة أنه ترك القنوت في أربع صلوات, دون الصبح, كما قالت عائشة : ” فُُرضَتِ الصلاة ركعتين ركعتين, فأُقرِت صلاة الصبح, وزيد في صلاة الحضر “(6)
تعني: ثلاث صلوات , دون المغرب والصبح .
قال الشافعي فهذا الذي ترك, فأما القنوت في الصبح, فلم يبلغنا أن النبي صلي الله عليه وسلم تركه.
قال البيهقي :
وإلى هذا المعني كان يذهب عبد الرحمن بن مهدي, ومحله من الحديث لا يخفى .
قال البيهقي :
فأما حديث أبي هريرة الذي احتج الشافعي به في قنوت النبي صلي الله عليه وسلم بعد أهل بئر معونة, فقد أخرجه البخارى, ومسلم, في الصحيح, من حديث سفيان ابن عيينة .
وأخرج مسلم حديث يونس بن يزيد, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب, وأبي سلمة بن عبد الرحمن, عن أبي هريرة, عن النبي صلي الله عليه وسلم في قنوته في صلاة الفجر, بعد ما يرفع رأسه ويقول: ” سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد,
بنحو من حديث ابن عيينة, ثم قال في آخرة : ” اللهم العن لحياً, ورعلاً, وذكوان,وعصية عصت الله ورسوله “(7)
ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت :” ليس لك من الأمرِ شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ”
ولعل هذا الكلام في الحديث من قول مَنْ دون أبي هريرة .
فقد روينا في الحديث الثابت عن الزهري, عن سالم, عن أبيه, أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول:” اللهم العن فلانا, وفلانا, وفلانا” بعد ما يقول :” سمع الله لمن حمده, ربنا لك الحمد ” فأنزل الله : ” ليس لك من الأمر شيء ”
وحنظلة بن أبي سفيان, عن سالم بن عبد الله ” كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية, وسهيل بن عمرو, والحارث بن هشام ” فنزلت : ” ليس لك من الأمر شيء ”
وهذا مخرَّج في كتاب البخاري .
وكان هذا من رسول الله صلي الله عليه وسلم في غزوة أحد .
ففي رواية عمرو بن حمزة, عن سالم, عن ابن عمر قال : ” رسول الله صلي الله عليه وسلم صلاة الصبح يوم أحد, فلما رفع رأسه من الركعة الثانية فقال : ” سمع الله لمن حمده ” قال : ” اللهم العن ” فذكرهم, إلا أنه ذكر أبا سفيان بدل سهيل, فنزلت:” ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم”
فتاب عليهم, فأسلموا, فحسُنَ إسلامهم ”
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, قال:حدثني أبو قتيبة سالم بن الفضل الآدمي بمكة, قال: حدثنا الحسن بن على بن شبيب المعمري, قال: حدثنا سالم بن جنادة القرشي, قال: حدثنا أحمد بن بشير, قال: حدثنا عمر بن حمزة, فذكره.
والذي يدل على أن هذه الآية نزلت يوم أحد رواية حماد بن سلمة, عن ثابت,عن أنس, أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد, وشُجَّ, فجعل يسيل الدم عن وجهه ويقول:
” كيف يفلح قوم شَجوا نبيهم، وكسروا رباعيته, وهو يدعوهم إلى الله ”
قال: فأنزل الله عز وجل: ” ليس لك من الأمر شيء ”
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان, قال : أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار, قال: حدثنا تمام, قال: حدثنا عبد الله ـ يعني: ابن سلمة القمبني ـ قال: حدثنا حماد بن سلمة, فذكره .
أخرجه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن سلمة .
فكان هذا بأحد, وقتل أهل بئر معونة كان بعد, أُحُد, وقد قنت النبي صلي الله عليه وسلم بعده , ودعا على من قتلهم ، دل أن هذه الآية لم تحمل على نسخ القنوت جملة, وأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقنت بعد نزول هذه الآية, إلا أنه كان يلعن من قتلهم بأعيانهم شهرا, ثم ترك اللعن عليهم, ويدعو للمستضعفين بمكة بأسمائهم, ثم لما قدموا ترك الدعاء لهم .
روينا عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة, عن النبي صلي الله عليه وسلم في قنوته ودعائه للمستضعفين, قال أبو هريرة:
ثم رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد, فقلت: أرى رسول الله صلي الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم ؟ قال: فقيل : وما تراهم قد قدموا.(8)
وهكذا كان قبل الفتح بيسير, وإنما أسلم أبو هريرة في غزوة خيبر, وهو بعد نزول الآية بكثير, دل أن الآية لم تحمل على نسخ القنوت .
ومما يدل على أن هذه الآية لم تحمل علي النسخ ـ وإن ثبت أن سبب نزولها كان على ما روينا في حديث ابن المسيب, وأبي سلمة, عن أبي هريرة ـ أن أبا هريرة كان يقنت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر الصلوات ”
ولو كانت الآية محمولة عندهم على نسخ القنوت, لم يقنت بعد .
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب, قال : حدثنا يحيى أبي طالب, قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, قال حدثنا هشام .
وأخبرنا أبو الفضل إبراهيم ـ واللفظ له ـ قال: حدثنا أحمد بن سلمة, قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم, قال : أخبرنا معاذ بن هشام, قال : حدثني أبي, عن يحيى بن أبي كثير, قال : حدثنا أبو سلمة, عن أبي هريرة قال : ” لاُقَرِّبَنَّ بكم صلاة رسول الله صلي الله عليه وسلم, فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من الظهر, وفي العشاء الآخرة , وفي صلاة الصبح, بعد قوله , ” سمع الله لمن حمده ” يدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين ”
رواه البخاري في الصحيح , عن معاذ بن فضالة, عن هشام .
ورواه مسلم , عن محمد بن المثنى, عن معاذ بن هشام، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس , قال : أخبرنا الربيع , قال : قال: الشافعي: وترك القنوت في الصلوات, سوى القنوت في الصبح, لا يقال له ناسخ، وإنما يقال ناسخ ومنسوخ لما اختلف، فأما القنوت في غير الصبح فمباح أن يقنت, وأن يدع, لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يقنت في غير الصبح قبل قتل أهل بئر معونة, ولم يقنت بعد قتل أهل بئر معونة في غير الصبح, فدل على أن ذلك دعاء مباح, كالدعاء المباح في الصلاة , لا ناسخ ولا منسوخ ا هـ .
قال البيهقي : هذا قول يوافق حديث أبي هريرة , وما قلنا , من أنهم لم يحملوا الآية على نسخ القنوت بها .
أخبرنا أبو سعيد, قال : حدثنا أبو العباس , قال : أخبرنا الربيع , قال : قال الشافعي :
لا قنوت في شيء من الصلوات إلا في الصبح , إلا أن تنزل نازلة , فيقنت كل في الصلوات كلها, إن شاء الإمام. اهـ
وبمثل هذا أجاب في القديم , وسنن حرملة .
قال الشافعي :
فأما في الصبح , فلا أعلمه ترك القنوت في الصبح قط , فيقنت كل مصل في الركعة الآخرة منها , بعد الركوع . اهـ
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ , قال : أخبرنا بكر بن محمد الصيرفي , قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال : حدثنا أبو نعيم , قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ,عن الربيع بن أنس قال : كنت جالسا عند أنس, فقيل له : إنما قنت رسول الله صلي الله عليه وسلم شهرا, فقال :
” مازال رسول الله صلي الله عليه وسلم يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا ”
ورواه عبيد الله بن موسى, عن أبي جعفر بإسناده: أن النبي صلي الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو عليهم, فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا “(9)
والربيع بن أنس تابعي معروف, من أهل البصرة ورد خراسان , سمع أنس ابن مالك , وأبا العالية
روى عنه عبد الله بن المبارك, وغيره من الكبار, بلغني عن أبي محمد بن أبي حاتم أنه قال:
سألَت أبي, وأبا زرعة, عن الربيع بن أنس, قالا :صدوق ثقة(10) .
قال البيهقي :
ولهذا الحديث شواهد عن أنس بن مالك وغيره, قد ذكرناها في كتاب السنن وغيره
(11) .
أخبرنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس, قال: أخبرنا الربيع, قال : قال الشافعي رحمه الله :
وقد قنت بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم أبو بكر, وعمر, وعلي, كلهم بعد الركوع, وعثمان بعض إمارته, ثم قدّم القنوت قبل الركوع, وقال : ليُدرِك من سُبِقَ بالصلاة الركعة .
قال البيهقي : قد روينا عن خليد بن دعلج(12) , عن قتادة عن أنس معنى هذا في قنوتهم .
ورواه الشافعي في القديم , في إسناد ومرسل .
قال الشافعي في القديم :
أخبرنا رجل, عن علي بن يحيى, عن الحسن, قال: ” كان النبي صلي الله عليه وسلم وأبو بكر , وعمر, يقنتون في الصبح, بعد الركعة, حتى كان عثمان, فقدم القنوت قبل الركوع(13) .
قال : وأخبرنا رجل ، عن صالح مولى التوأمة ، أن أبا بكر وعمر قنتا .
قال البيهقي :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, أخبرنا أبو بكر محمد بن القاسم بن سليمان الذهلي ببغداد, قال:حدثنا الحسن بن علي بن شبيب العمري, قال, حدثنا جعفر بن مهران السباك قال:حدثنا عبد الوارث بن سعيد, قال: حدثنا عمرو بن عبيد, عن الحسن, عن أنس بن مالك قال:
” صليت خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم فلم يزل يقنت في صلاة الصبح, بعد الركوع, حتى توفاه الله, وصليت خلف أبي بكر الصديق, فلم يزل يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع, حتى توفاه الله, وصليت خلف عمر, فلم يزل يقنت في صلاة الصبح , بعد الركوع, حتى توفاه الله ”
ورواه قريش بن أنس, عن إسماعيل المكي, وعمرو بن عبيد, عن الحسن, عن أنس في قنوتهم, وقنوت عثمان, دون ذكر موضع القنوت .
والمرسل الذي ذكره الشافعي عن الحسن, وما اشتهر من مذهب الحسن في قنوت صلاة الصبح, يعطيان هذه الرواية قوة .
واعتمادنا في قنوت النبي صلي الله عليه وسلم على ما قدمنا ذكره.
وفي قنوت أبي بكر وعمر , على ما نذكره إن شاء الله .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد الهروي: قال : أخبرنا عبد الله بن عدي الحافظ, قال :حدثنا زكريا بن يحيى الساجي, قال: حدثنا بندار, قال:حدثنا يحيي بن سعيد قال:حدثنا العوام بن حمزة, قال :
” سألت أبا عثمان عن القنوت في الصبح ؟
فقال : بعد الركوع, قلت : عمن ؟ قال: عن ابي بكر , وعمر, وعثمان (14)”
هذا إسناد حسن, ويحيى القطان لا يحدث إلا عمن يكون ثقة عنده :
قال الشافعي :
أخبرنا مسلم, وسعيد, عن ابن جرريج, عن عطاء, عن عبيد بن عمير, عن عمر:
“أنه قنت في الصبح ” فذكر دعاءً قنت به .
قال الشافعي:
وأخبرنا رجل, ومسلم بن خالد , عن إسماعيل بن أمية , عن عطاء, عن عبيد بن عمير , قال: “سمعت عمر بن الخطاب يقنت بعد الركوع,يدعو على الكفرة ”
قال البيهقي :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ , قال : حدثنا أبو العباس بن يعقوب, قال : حدثنا أسيد بن عاصم, قال : حدثنا الحسين بن حفص, عن سفيان, قال: حدثني ابن جورج, عن عطاء, عن عبيد بن عمير:
” أن عمر قنت بعد الركوع ” فذكر دعاءه للمؤمنين, ودعاءه علي الكفرة, وقنوته بالسورتين, كما رواه ابن أبي ليلى .
وأخبرنا أبو عبد الله قال:حدثنا أبو العباس, قال:حدثنا الحسن بن علي بن عفان,
قال: حدثنا محمد بن بشر, عن سعيد, عن قتاده , عن الحسن , عن أبي رافع: ” أن عمر كان يقنت في صلاة الصبح ”
قال البيهقي :
هذا عن عمر صحيح, وقد ذكرنا شواهده في كتاب السنن (15).
قال الشافعي :
وأخبرنا رجل , عن جعفر بن محمد , عن أبيه :” أن عليا كان يقنت في الصبح بعد الركعة الأخيرة.
قال : وأخبرنا رجل, عن يزيد بن أبي زياد, عن عبد الرحمن بن أبي ليلي :
” أن عليا قنت في الفجر, بعد الركوع ”
قال البيهقي :
قد ذكرنا إسنادنا في هذا في كتاب السنن (16).
وأخبرنا أبو سعيد , قال : حدثنا أبو العباس, قال : أخبرنا الربيع, قال: قال الشافعي فيما بلغه عن هشيم, عن حصين, عن ابن مُغفل :” أن عليا قنت في صلاة الصبح ”
ورواه أبوسفيان الثوري, عن أبي حصين, عن عبد الله بن مَعَقِل, عن علي .
ورويناه من وجه آخر عن علي
ولا معنى لإنكار من أنكر القنوت في صلاة الصبح , لأن الحكم لقول من شاهد وسمع, لا لقول من لم يشاهد ويسمع .
وقد ثبت خطأ من ادعى فيه النسخ بنزول قوله عز وجل : ” ليس لك من الأمر شيء ”
وحديث عبد الرحمن بن أبي بكر في دعاء النبي صلي الله علي وسلم للمستضعفين بالنجاة.
والدعاء على مضر , ونزول الآية فيه
وقوله : ” فما عاد رسول الله صلي الله عليه وسلم يدعو على أحد ” إسناده غير قوي , وقد روينا فيما هو أصح منه أن نزول الآية تقدم هذا الدعاء .
وقد يحتمل أن يكون مراده بقوله :” فما عاد يدعو علي أحد “أي على أحد بعينه,لأنه لم يحتج إليه, ولو احتاج إليه , لعله كان يعود إليه, كما كان يدعو على صفوان ابن أمية وغيره زمان أحد , فنزلت هذه الآية , لما في علم الله تعالى من هداهم فتركه, ثم عاد إليه حين احتاج إليه على آخرين , حين قتل أهل بئر معونة , وحين احتاج إليه للمستضعفين بالنجاة, وعلى مضر بالهلاك حين اشتدوا على حبس المسلمين بمكة , ثم تركه حين قدموا , فقال له عمر :
” يا رسول الله , مالك لا تدعو للنفر ؟ قال: ” أو ما علمت أنهم قد قدموا ”
وكان هذا بعد نزول الآية بسنين .
موضع القنوت
قال البيهقي :
أخبرنا أبو إسحاق الفقيه , قال : أخبرنا شافع , قال : أخبرنا أبو جعفر, قال: حدثنا المزني , قال: حدثنا الشافعي, قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد, عن أيوب السختياني, عن محمد بن سيرين قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت فقال : ” قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع “(17)
وأخبرنا أبو علي الروز باري ,قال : أخبرنا أبو بكر بن داسة, قال : حدثنا أبو داود , قال: حدثنا سليمان بن حرب, ومُسَدَّد , قالا : حدثنا حماد بن يزيد , عن أيوب, عن محمد, عن أنس بن مالك أنه سئل: هل قنت النبي صلي الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ فقال: نعم,فقيل له:قبل الركوع أو بعده؟ قال:بعد الركوع.
قال مسدد : بيسير ”
رواه البخاري في الصحيح عن مسدد .وأخرجه مسلم من حديث ابن علية عن أيوب، وهذا أولى مما روي عن عاصم الأحول , عن أنس , في القنوت قبل الركوع ,وأن القنوت بعده إنما كان شهرا .
وما روي عن عبد العزيز بن صهيب في بعض هذا المعنى, لأن محمد بن سيرين أحفظ من روى حديث القنوت وأفقههم .
وروينا عن ابن عمر قنوت النبي صلى الله عليه وسلم قبل قتل أهل بئر معونة ,بعد الركوع .
وروينا عن أبي هريرة قنوت النبي صلي الله عليه وسلم بعده بعد الركوع , وقد روينا عن جماعة من الصحابة أنهم قنتوا فيها بعد الركوع. اهـ .
(1) أخرجه في السنن الكبرى 2/210
(2) وأخرجه في السنة الكبرى 2 / 200
(3) وأخرجه في السنن الكبرى 2 / 198
(4) = = = = 2 /213
(5) وأخرجه في السنن الكبرى 2/200
(6) وأخرجه في السنن الكبرى 3/ 145
(7) وأخرجه في السنن الكبرى / 198- 207197
(8) وأخرجه في السنن الكبرى 2/200
(9)وأخرجه في السنن الكبرى 2 / 201
(10) قال أبو حاتم : صدوق ، وهو أحب إلي في أبي العالية من أبي خَلدْة .وقال النسائى: ليس به بأس
وقال : ابن سعد : إنه لقى ابن عمر ، وجابر بن عبد الله ، وانظر تهذيب الكمال 9 / 60 وتهذيب التهذيب 3 / 238 .
(11) انظر السنن الكبري 2 / 201
(12) قال في السنن الكبرى 2 / 209 خليد بن دعلج لا يحتج به .
(13) انظر السنن الكبرى 2 / 209
(14) أخرجه في السنن 2 /208
(15) انظر السنن 2/206
(16) 2/206
(17) (2) خرجه في السنن 2/206