الباب الثالث/مباحث مختلفة وفيها بيان مشروعية الزيارة النبوية وما يتعلق بها
الباب الثالث
مباحث مختلفـة
وفيها بيان مشروعية الزيارة النبويّة وما يتعلق
بها مِنَ الآثار والمشاهد والمناسَبات
الحياة البرزخية حياة حقيقية
الحياة البرزخية حياة حقيقية ، وهذا ما دلت عليه الآيات البينات والأحاديث المشهورة الصحيحة .
وهذه الحياة الحقيقية لا تعارض وصفهم بالموت كما جاء ذلك في كتاب الله العزيز إذ يقول : } وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ { ، ويقول : } إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ { ، إن معنى قولنا عن الحياة البرزخية بأنها حقيقية أي ليست خيالية أو مثالية كما يتصورها بعض الملاحدة ممن لا تتسع عقولهم للإيمان إلا بالمشاهد المحسوس دون الغيب الذي لا يطيق العقل البشري تصوره ولا تسليم كيفيته لقدرة الله جل جلاله ، إن وقفة تأمل قصيرة عند قولنا عن الحياة البرزخية بأنها حقيقية لا تبقي من الإشكال أدنى ذرة حتى عند من يقصر فهمه وذوقه عن تعقل المعاني فكلمة [حقيقية] ليست إلا لنفي الباطل وطرد الوهم ونفي الخيال الذي قد يقع في ذهن الإنسان المتشكك المرتاب في أحوال عالم البرزخ وعالم الآخرة وغيرهما من العوالم الأخرى كالنشر والبعث والحشر والحساب .
وهذا المعنى يدركه الإنسان العربي البسيط الذي يعرف أن كلمة [ حقيقية ] تعني حقيقة وهي ما يقابل الوهم والخيال والمثال ، فحقيقية أي ليست بوهمية وهذا هو المقصود بعينه ، وهذا هو مفهومنا وتصورنا لهذه القضية ، ولقد تضافرت الأحاديث والآثار التي تثبت بأن الميت يسمع ويحس ويعرف سواء كان مؤمنا أم كافرا .
فمنها حديث القليب وهو ثابت في الصحيحين من وجوه متعددة عن أبي طلحة وعمر وابنه عبد الله :
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فألقوا في طوى من اطواء بدر فناداهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسماهم ((يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة يا فلان ابن فلان ! أليس قد وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا)) .. فقال عمر : يارسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها ، فقال عليه الصلاة والسلام : ((والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يجيبون)) ..
هكذا رواه الشيخان من حديث ابن عمر والبخاري من حديث أنس عن أبي طلحة ومسلم من حديث أنس عن عمر ، ورواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه وفيه : قالوا : يارسول الله وهل يسمعون ؟ قال : ((يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون)) ..
ومنها ما رواه البزار وصححه ابن حبان من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي عن أبيه عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين)) ..
وأخرج ابن حبان أيضا من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي r نحوه في حديث طويل .
وقال البخاري في صحيحه : ((باب الميت يسمع خفق النعال)) ، ثم روى عن أنس
عن النبي r قال : ((العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى أنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه))
وذكر الحديث في سؤال القبر ، ورواه مسلم أيضاً وسماع الميت خفق النعال وارد في عدة أحاديث ، منها الأحاديث الواردة في سؤال القبور وهي كثيرة منتشرة ، وفيها التصريح بسؤال الملكين له وجوابه بما يطابق حاله من سعادة أو شقاء ، ومنها ما شرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمته من السلام على أهل القبور ومخاطبتهم بلفظ : السلام عليكم دار قوم مؤمنين .
قال ابن القيم : وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد ، والسلف مجمعون على هذا ، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به ، ثم ذكر جملة منها في ((كتاب الروح)) .. فليراجع .
قلـت : وقد روى عبد الرزاق في هذا الباب حديثاً عن زيد بن أسلـم قال : مر أبو هريرة وصاحب له على قبر ، فقـال أبو هريرة : سَلِّم ، فقـال الرجـل : أسلِّمُ على القبر ؟ فقال أبو هريرة : إن كان رآك في الدنيا يوماً قط إنه ليعرفك الآن. رواه عبد الرزاق في المصنف (ج3 ص577) .
وهذا الذي نقلناه هو عقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين وهم أهل السنة والجماعة فلا أدري كيف يغفل هؤلاء الذين يدعون أنهم على مذهب السلف عن هذه الحقيقة .
وقد أفاض الشيخ ابن القيم في كتاب الروح بما يشفي ويكفي وننقل هنا فتوى عظيمة لشيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في هذا الموضوع كما جاء في الفتاوى الكبرى.
سئل الشيخ عن الأحياء إذا زاروا الأموات هل يعلمون بزيارتهم ؟ وهل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيره ؟
فأجاب : الحمد لله ، نعم جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات ، كما روى ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري قال :
[إذا قبضت نفس المؤمن تلقاها الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير في الدنيا فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض : أنظروا أخاكم يستريح فإنه كان في كرب شديد ، قال : فيقبلون عليه ويسألونه ما فعل فلان وما فعلت فلانة هل تزوجت] الحديث .
وأما علم الميت بالحي إذا زاره وسلم عليه ففي حديث ابن عباس قال :قال رسول الله r : ((ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام)) ..
قال ابن المبارك : ثبت ذلك عن النبي r وصححه عبد الحق صاحب الأحكام . اهـ . (مجموع فتاوى الشيخ ابن تيمية ج24 ص331) .
وجـاء في موضع آخر أيضاً سئل الشيـخ ابـن تيمية : هل الميت يسمع كلام زائره ويرى شخصه ؟ وهل تعاد روحه إلى جسده في ذلك الوقت أم تكون ترفرف على قبره في ذلك الوقت وغيره ؟ وهل تجمع روحه مع أرواح أهله وأقاربه الذين ماتوا قبله ؟
فأجاب : الحمد لله رب العالمين ، نعم ! يسمع الميت في الجملة كما ثبت في الصحيحين عن النبي r أنه قال : ((يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه)) .. ثم ساق أحاديث متعددة في هذا المعنى ، ثم قال : فهذه النصوص وأمثالها تبين أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي ولا يجب أن يكون السمع له دائماً بل قد يسمع في حال دون حال ، كما قد يعرض للحي فإنه قد يسمع أحياناً خطاب من يخاطبه ، وقد لا يسمع لعارض يعرض له ، وهذا السمع سمع إدراك ليس يترتب عليه جزاء ولا هو السمع المنفي بقوله : } إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى { ، فإن المراد بذلك سمع القبول والامتثال ، فإن الله جعل الكافر كالميت الذي لا يستجيب لمن دعاه وكالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفقه المعنى ، فالميت وإن سمع الكلام وفقه المعنى فإنه لا يمكنه إجابة الداعي ولا امتثال ما أمر به ونهى عنه فلا ينتفع بالأمر والنهي ، وكذلك الكافر لا ينتفع بالأمر والنهي وإن سمع الخطاب وفهم المعنى ، كما قال تعالى : } وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ { ، وأما رؤية الميت فقد روي في ذلك آثار عن عائشة وغيرها .
وأما قول القائل : هل تعاد روحه إلى بدنه ذلك الوقت أم تكون ترفرف على قبره في ذلك الوقت وغيره ؟ . فإن روحه تعاد إلى البدن في ذلك الوقت كما جاء في الحديث وتعاد أيضاً في غير ذلك ،ومع ذلك فتتصل بالبدن متى شاء الله وذلك في اللحظة بمنزلة نزول الملك وظهور الشعاع في الأرض وانتباه النائم ،وهذا جاء في عدة آثار أن الأرواح تكون في أفنية القبور ، قال مجاهد :الأرواح تكون في أفنية القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارقه ، فهذا يكون أحياناً وقال مالك بن أنس : بلغني أن الأرواح مرسلة تذهب حيث شاءت والله أعلم . اهـ . مجموع فتاوى الشيخ ابن تيمية (ج24 ص362) .
وقال الشيخ ابن تيمية في موضع آخر : أما ما أخبر الله من حياة الشهيد ورزقه وما جاء في الحديث الصحيح من دخول أرواحهم الجنة فذهبت طوائف إلى أن ذلك مختص بهم دون الصديقين وغيرهم ،والصحيح الذي عليه الأئمة وجماهير أهل السنة أن الحياة والرزق ودخول الأرواح الجنة ليس مختصاً بالشهيد ،كما دلت على ذلك النصوص الثابتة ويختص الشهيد بالذكر لكون الظان يظن أنه يموت فينكل عن الجهاد فأخبر بذلك ليزول المانع من الإقدام على الجهاد والشهادة مكا نهى عن قتل الأولاد خشية الإملاق لأنه هو الواقع وإن كان قتلهم لا يجوز مع عدم خشية الإملاق اهـ. (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج24 ص332).
لا تؤذ الميت لئلا يؤذيك :
رأى رسول الله r رجلاً قد اتكأ على قبر فقال له : ((لا تؤذ صاحب القبر)) ..
ذكره المجد ابن تيمية في المنتقى (ج2 ص104) وعزاه لأحمد في المسند وكذا الحافظ ابن حجر في الفتح (ج3 ص178) وقال : إسناده صحيح .
وأخرجه الطحاوي في معاني الآثار (ج1 ص296) من حديث ابن عمرو ابن حزم بلفظ : رآني رسول الله r على قبر ، فقال : ((انزل عن القبر لا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذيك)) .. اهـ . (مجمع الزوائد ج3 ص61) .
معنى الحياة البرزخـية :
وينبغي أن نبين للناس معنى تلك الحياة وأنها حياة برزخية وأنها ليست كحياتنا هذه بل هي حياة خاصة لائقة بهم وبالعالم الذي هم فيه لكن لابد أن نبين لهم أيضاً أنها ليست كحياتنا لأن حياتنا أقل وأحقر وأضيق وأضعف، فالإنسان فيها بين عبادة وعادة وطاعة ومعصية وواجبات مختلفة لنفسه وأهله ولربه وأنه تارة يكون طاهراً وتارة يكون على ضد ذلك ، وتارة يكون في المسجد وتارة يكـون في الحمـام وأنه لا يدري بم يختم له ؟؟ فقد يكون بينه وبين الجنة ذراع ثم ينقلب الأمر رأساً على عقب فيصير من أهل النار وبالعكس ، أما في البرزخ فإنه إن كان من أهل الإيمان فإنه قد جاوز قنطرة الامتحان التي لا يثبت عندها إلا أهل السعادة ،ثم إنه قد انقطع عنه التكليف وأصبح روحاً مشرقة طاهرة مفكرة سياحة سباحة جوالة في ملكوت الله وملكه سبحانه وتعالى ، لا هم ولا حزن ولا بأس ولا قلق لأنه لا دنيا ولا عقار ولا ذهب ولا فضة فلا حسد ولا بغي ولا حقد ، وإن كان غير ذلك ففي عكس ذلك .
] ] ]
خصائص الأنبياء البرزخية
وللأنبياء عليهم الصلاة والسلام في البرزخ خصائص انفردوا بها دون غيرهم من البشر ولو شاركهم غيرهم في بعضها فهو على وجه الإلحاق النسبي وتبقى الخصوصية للأنبياء من جهتين :
الأولى : من جهة الأصالة .
الثانية : من جهة الكمال .
وهذه بعض تلك الخصائص : كمال حياتهم :
ذكرنا فيما تقدم أن الحياة البرزخية حياة حقيقية وأن الميت يسمع ويحس ويعرف سواء أكان مؤمناً أم كافراً ، وأن الحياة والرزق ودخول الأرواح الجنة ليس مختصاً بالشهيد كما دلت على ذلك النصوص الثابتة ، وهذا هو الصحيح الذي عليه الأئمة وجماهير أهل السنة ، ومن هنا فإن القول بحياة الأنبياء من فضول القول وهو أمر ظاهر كالشمس لا يحتاج إلى إثبات بل إن الصواب هو أن نقرر بأن حياتهم أكمل وأجل وأتم وأعظم ، وهكذا حياة الناس على ظهر الأرض في الدنيا فإنها درجات ومقامات ومراتب متفاوتة فمنهم أموات في صورة أحياء ،قال فيهم المولى جل شأنه : } لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ { .
ومنهم الذيـن قـال فيهم : } أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ { .
ومنهم من قال فيهم : } قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ { إلى قوله:} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ{، ومنهم من قال فيهم:}إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ{16}كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ {17} وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ { (سورة الذاريات : 16-18) .
وهكذا الحياة البرزخية درجات ومراتب ومقامات متفاوتة } وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً { .
أما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن حياتهم ورزقهم ومعرفتهم وسماعهم وإدراكهم وشعورهم وإحساسهم أكمل وأتم وأرفع من غيرهم ، والدليل هو قوله تعالى في حق الشهداء : } وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {.
وإذا كانت الحياة معناها هو بقاء الروح فلا تفنى ولا تبلى فلا مزية للشهيد يستحق أن تذكر وتشهر إذ أرواح جميع بني آدم باقية لا تفنى ولا تبلى وهو الصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم كما حققه الشيخ ابن القيم في كتاب الروح ، فلابد من وجود مزية ظاهرة يزيد بها الشهداء على من سواهم وإلا كان ذكر حياتهم عبثاً لا فائدة منه خصوصاً وأن الله تعالى نهى أن نقول عنهم أموات فقال : } وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ {.
وحينئذ نقول إنه لابد من أن تكون حياتهم أكمل من غيرهم وأشرف ،وهذا ما يؤيده ظاهر النصوص فأرواحهم مرزوقة ترد أنهار الجنة وتأكل ثمارها كما قال تعالى : } عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ { ، ثم إحساسهم بذلك الطعام والشراب والنعيم إحساس كامل بشعور تام وتلذذ تام وتمتع حقيقي كما جاء في الحديث : فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا . (قال ابن كثير رواه أحمد) .
وأرواحهم لها تصرف أكبر من غيرها وأوسع فهي تتجول وتسرح في الجنة حيث تشاء ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش . (كذا في الصحيح) .
وهم يسمعون الكلام ويفهمون الخطاب ، فقد جاء في الصحيح : أن الله تعالى يقول لهم : ما تشتهون ؟ فيقولون : كذا وكذا ، ويعود السؤال ويعود الجواب، ثم يطلبـون أن يعودوا إلى الدنيا للجهاد ، ثم يطلبون أن يبلغ الله عنهم رسالـة منهم إلى إخوانهم بالدنيا فيها بيان ما أكرمهم الله به ، فيقول الله : أنا أبلغ عنكم .
فإذا ثبت هذا في حق الشهداء ثبت في حق الأنبياء من وجهين :
الأول : أن هذه رتبة شريفة أعطيت للشهيد كرامة له ولا رتبة أعلى من رتبة الأنبياء ، ولا شك أن حال الأنبياء أعلى وأكمل من حال جميع الشهداء فيستحيل أن يحصل كمال للشهداء ولا يحصل للأنبياء لا سيما هذا الكمال الذي يوجب زيادة القربى والزلفى والنعيم والأنس بالعلي الأعلى .
الثاني : أن هذه الرتبة حصلت للشهداء أجراً على جهادهم وبذلهم أنفسهم لله تعالى ، والنبي r هو الذي سن لنا ذلك ودعانا إليه وهدانا له بإذن الله تعالى وتوفيقه ، وقد قال r : ((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه لا ينقصه ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من يتبعه لا ينقصه ذلك من آثامهم شيئاً)) ..
والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة فكل أجر حصل للشهيد حصل للنبي r لسعيه مثله والحياة أجر فيحصل للنبي r مثلها ، إن حياة الأنبياء البرزخية الحقيقية وخصوصاً نبينا r هي أرفع وأكمل من أن يتصور جاهل أو أحمق أننا نعني بها أن يعيشوا كما نعيش فيأكلون ويشربون محتاجين إلى الأكل والشرب ويبولون ويتغوطون مضطرين إلى ذلك ويخرجون من قبورهم لحضور مجالس الذكر ومجامع القرآن ولمشاركة الأمة في أفراحها وأحزانها وأعيادها ومواسمها ثم يرجعون إلى قبورهم تحت الأرض في تلك الحفرة الضيقة وفوقهم التراب ، ليس في هذا أدنى كرامة أو منقبة بل هو عين الإهانة التي لا يرضاها الإنسان لتابع أو خادم له فضلاً عن أن يمن الله تعالى بذلك على خير خلقه وأجل عبيده حاشا وكلا وألف حاشا وكلا . إن الحياة البرزخية الحقيقية هي الشعور التام والإدراك الكامل والمعرفة الصادقة ، إنها حياة طيبة صالحة دعاء وتسبيح وتهليل وتحميد وصلاة .
صلاة الأنبياء في قبورهم وعبادات أخرى
ومن ثمرات تلك الحياة البرزخية صلاتهم في قبورهم صلاة حقيقية ليست خيالية ولا مثالية ، وقد جاءت أحاديث في هذا الموضوع ، فمنها : عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله r : ((الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)) ..
رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى ثقات ، كذا في مجمع الزوائد (ج8 ص211) ، قال الإمام الحافظ البيهقي في الجزء الخاص بهذه المسألة .
وفي رواية عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي r قال : ((إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ، ولكنهم يصلون بين يدي الله تعالى حتى ينفخ في الصور)) ..
قال البيهقي : إن صح بهذا اللفظ فالمراد به – والله أعلم – لا يتركون لا يصلون إلا هذا المقدار ، ثم يكونون مصلين بين يدي الله تعالى ، قال البيهقي : ولحياة الأنبياء بعد موتهم شواهد من الأحاديث الصحيحة .
ثم ذكر البيهقي بأسانيده حديث : ((مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره)) ..
وحديث : ((قد رأيتني في جماعة من الأنبياء ، فإذا موسى قائم يصلي وإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي ، وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم – يعني نفسه – فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال قائل لي : يا محمد ! هذا مالك صاحب النار فسلم عليه ، فالتفت إليه فبدأني بالسلام)) .
قلت : أخرجه مسلم عن أنس (ج2 ص268) ، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (ج3 ص577) .
وقوله : ضرب ، أي خفيف اللحم الممشوق المستدق .
وقال البيهقي في دلائل النبوة : وفي الحديث الصحيح عن سليمان التيمي وثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله r قال : ((أتيت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره)) ..
قلت : وهو صحيح أخرجه مسلم (ج2 ص268) .
وقد ثبت بما لا يقبل الشك أن السبب في تخفيف الصلاة علينا من خمسين إلى خمس صلوات هو موسى عليه السلام وهو ميت قد أدى رسالة ربه وانتقل إلى جواره في الرفيق الأعلى ولكنه هو السبب في إيصال أعظم خير إلى الأمة المحمدية حينما طلب من نبينا محمد r مراجعة ربه وقال له : سل ربك التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فهل هذه المراجعة حقيقية أو خيالية وهل في اليقظة أو في المنام وهل هي صحيحة أم مكذوبة وهل موسى مات أم لا يزال حياً حتى وقت تلك المراجعة ؟
أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما : ((أن النبي r مر على ثنية فقال : ما هذه ؟ قالوا : ثنية كذا وكذا ، قال : كأني أنظر إلى يونس على ناقة خطامها ليف وعليه جبة من صوف وهو يقول : لبيك اللهم لبيك)) .. اهـ . الدر المنثور (ج4 ص334) .
وفي حديث آخر : ((أراني ليلة عند الكعبة فرأيت رجلاً آدم كأحسن ما أنت راء من الرجال من آدم الرجال ، له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها فهي تقطر ماء متكئاً على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت فسألت من هذا ؟ فقيل : هذا المسيح ابن مريم)) ..
وفي حديث آخر : ((إن رسول الله r مر بوادي الأزرق ، فقال : كأني أنظر إلى موسى هابطاً من الثنية ، وله جؤار إلى الله بالتلبية ثم أتى على ثنية هرشي فقال : كأني أنظر إلى يونس بن متى على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف خطام ناقته خلبة وهو يلبي)) ..
وفي حديث آخر : ((كأني أنظر إلى موسى واضعاً إصبعيه في أذنيه)) ..
وهذه الأحاديث كلها في الصحيح وقد تقدم في موسى وعيسى وكذلك صلاتهم قياماً وإمامة النبي r بهم ، ولا يقال : إن ذلك رؤيا منام ، وإن قوله أراني فيه إشارة إلى النوم لأن الإسراء وما اتفق فيه كان يقظة على الصحيح الذي عليه جمهور السلف والخلف ، ولو قيل بأنه نوم فرؤيا الأنبياء حق ، وقوله : أراني لا دلالة فيه على المنام بدليل قوله : رأيتني في الحجر ، وكان ذلك في اليقظة كما يدل عليه بقية الكلام .
بقـاء أجـسـادهم :
جاء في الحديث عن أوس بن أوس قال : قال رسول الله r : ((أفضل أيامكم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة عليَّ ، قالوا : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت – يقولون بليت – فقال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)) ..
هذا الحديث أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد في مسنده وابن عاصم في الصلاة له وأبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم والطبراني في معجمه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في صحاحهم والبيهقي في حياة الأنبياء وشعب الإيمان وغيرهما من تصانيفه .
واعلم بأن حديث: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء . ورد من طرق كثيرة جمعها الحافظ المنذري في جزء مخصوص وقال في الترغيب والترهيب رواه ابن ماجه بإسناد جيد ورواه أحمد وأبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه ، وقال ابن القيم في كتاب الروح نقلاً عن أبي عبد الله القرطبي : صح عن النبي r أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء ، وأنه r اجتمع مع الأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس ، وفي السماء خصوصاً موسى وقد أخبر :
((ما من مسلم يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام)) ..
إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أنهم غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء ، وذلك كالحال في الملائكة فإنهم أحياء موجودون ولا نراهم ، وقد نقل كلام القرطبي وأقره أيضاً الشيخ محمد السفاريني الحنبلي في شرح عقيدة أهل السنة ونصه : قال أبو عبد الله القرطبي : قال شيخنا أحمد بن عمر القرطبي صاحب المفهم في شرح مسلم : والذي يزيح هذا الإشكال أن الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال إلى حال ويدل على ذلك أن الشهداء بعد موتهم وقتلهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين .
وهذه صفة الأحياء في الدنيا ، وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياء بذلك أحق وأولى . وذكر القرطبي أن أجساد الشهداء لا تبلى ، وقد صح عن جابر أن أباه وعمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنهم وهما ممن استشهد بأحد ودفنا في قبر واحد حفر السيل قبرهما فوجدا لم يتغيرا ، وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك ، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين ذلك وبين أحد ست وأربعون سنة ، ولما أجرى معاوية العين التي استنبطها بالمدينة وذلك بعد أحد بنحو من خمسين سنة ، ونقل الموتى أصابت المسحاة قدم حمزة رضي الله عنه فسال منه الدم ووجد عبد الله بن حرام كأنما دفن بالأمس ، وروى كافة أهل المدينة أن جدار النبي r لما انهدم أيام الوليد بدت لهم قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان قد قتل شهيداً .
وقد ذكر الشيخ ابن تيمية أنه لما حصل الهدم بدت لهم قدم بساق وركبة ففزع من ذلك عمر بن عبد العزيز فأتاه عروة ، فقال : هذه ساق عمر وركبته فسرى عن عمر بن عبد العزيز . اهـ (اقتضاء الصراط المستقيم 365) .
وقد ألف في هذا الموضوع الإمام الحجة أبو بكر بن الحسين البيهقي رسالة خاصة جمع فيها جملة من الأحاديث التي تدل على حياة الأنبياء وبقاء أجسادهم ، وكذلك ألف الحافظ جلال الدين السيوطي رسالة خاصة بذلك .
] ] ]
حياة خاصة بنبينا محمد r
وقد ثبت لنبينا محمد r حياة برزخية أكمل وأعظم من غيره تحدث عنها بنفسه تثبت اتصاله بالأمة المحمدية ومعرفته بأحوالها واطلاعه على أعمالها وسماعه لكلامهم وردّه لسلامهم ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة .
فمنها عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام)) ..
قال المنذري : رواه النسائي وابن حبان في صحيحه اهـ . من الترغيب والترهيب (ج2 ص498) .
قلت : ورواه إسماعيل القاضي وغيره من طرق مختلفة بأسانيد صحيحة لا ريب فيها إلى سفيان الثوري عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله ابن مسعود وصرَّح الثوري بالسماع فقال : حدثني عبد الله بن السائب . هكذا في كتاب القاضي إسماعيل وعبد الله بن السائب وزاذان روى لهما مسلم . ووثقهما ابن معين فالإسناد إذن صحيح .
ومنها : عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي r قال : ((حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم تعرض أعمالكم عليَّ فما رأيت من خير حمدت الله ، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم)) ..
قال الحافظ العراقي في كتاب الجنائز من طرح التثريب في شرح التقريب : إسناده جيد(20)[1].
وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (ج9 ص24) : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ، وصححه الحافظ السيوطي في المعجزات والخصائص ، وكذا القسطلاني شارح البخاري ، ونص المناوي في فيض القدير (ج3 ص401) :
بأنه صحيح ، وكذا الزرقاني في شرح المواهب للقسطلاني ، وكذا الشهاب الخفاجى في شرح الشفا (ج1 ص102) .
وكذا الملا علي قاري في شرح الشفا (ج1 ص102) وقال : رواه أيضاً الحارث بن أسامة في مسنده بسند صحيح .
وذكره ابن حجر في المطالب العالية (ج4 ص22) ، وجاء هذا الحديث من طريق آخر مرسلاً عن بكر بن عبد الله المزني ، ورواه الحافظ إسماعيل القاضي في جزء الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال فيه الشيخ الألباني : مرسل صحيح ، وصححه الحافظ ابن عبد الهادي مع تعنته وتشدده في كتابه الصارم المنكي .
فالحديث صحيح لا مطعن فيه وهو يدل على أن النبي r يعلم أعمالنا بعرضها عليه ويستغفر الله لنا على ما فعلنا من سيء وقبيح ، وإذا كان كذلك فإنه يجوز لنا أن نتوسل به إلى الله ونستشفع به لديه لأنه يعلم بذلك فيشفع فينا ويدعو لنا وهو الشفيع المشفع صلى الله عليه وآله وسلم ، وزاده تشريفاً وتكريماً ، وقد أخبر الله في القرآن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهيد على أمته وذلك يقتضي أن تعرض أعمالهم عليه ليشهد على ما رأى وعلم ، قال ابن المبارك :أخبرنا رجل من الأنصار عن المنهال بن عمرو أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : ليس من يوم إلا يعرض فيه على النبي r أمته غدوة وعشياً ، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم ، فلذلك يشهد عليهم ، يقول الله تعالى : } فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً { .
ومنها : عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن الله وكل بقبري ملكاً أعطاه الله أسماء الخلائق ، فلا يصلي عليَّ أحد إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه هذا فلان ابن فلان قد صلى عليك)).
رواه البزار وأبو الشيخ ابن حبان ولفظه : قال رسول الله r : ((إن الله تبارك وتعالى وكل ملكاً أعطاه أسماء الخلائق فهو قائم على قبري إذا مت، فليس أحد يصلي عليَّ صلاة إلا قال: يا محمد! صلى عليك فلان ابن فلان قال : فيصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشراً)) ..
(رواه الطبراني في الكبير بنحوه) اهـ . من الترغيب (ج2 ص500) .
ومنها عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسيّ عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة وإن أحداً لن يصلي عليَّ إلا عرضت عليَّ صلاته حتى يفرغ منها)) .. قال : قلت : وبعد الموت ؟ قال : ((وبعد الموت ، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبي الله حي يرزق)) .. رواه ابن ماجه في السنن ، وفي الزوائد هذا الحديث صحيح إلا أنه منقطع في موضعين ، لأن عبادة روايته عن أبي الدرداء مرسلة ، قاله العلاء . وزيد بن أيمن عن عبادة مرسلة قاله البخاري . انتهى من سنن ابن ماجه (ص524) .
ومنها عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ((ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أردّ عليه السلام)) .. رواه أبو داود كذا في الترغيب (ج2 ص499) .
قال الشيخ ابن تيمية : هذا الحديث على شرط مسلم ، وقال : وفي مسند ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله r : ((من صلى عليَّ سمعته ، ومن صلى عليَّ نائياً بلغته)) .. رواه الدارقطني .
وفي النسائي وغيره عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ((إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام)) ..
إلى أحاديث أخر في هذا الباب متعددة اهـ . (اقتضاء الصراط المستقيم ص324) .
] ] ]
النبي r يجيب من ناداه
النبي r يجيب من ناداه قائلاً : يا محمد ..
في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي يعلى في ذكر عيسى : [ولئن قام على قبري فقال : يا محمد لأجيبنه] ..
ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية 4/ص23 بعنوان حياته r في قبره .
] ] ]
إرسال السلام بالبريد إلى النبي r
عن يزيد المهدي قال: لما ودعت عمر بن عبد العزيز قال: إن لي إليك حاجة ، قلت: يا أمير المؤمنين كيف ترى حاجتك عندي ؟ قال : إني أراك إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي r فاقرئه مني السلام .
وعن حاتم بن وردان قال : كان عمر بن عبد العزيز يوجه البريد قاصداً من الشام إلى المدينة ليقرئ عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم السلام . ذكره القاضي عياض في الشفا في باب الزيارة (ج2 ص83) .
وذكر الخفاجي والملا علي قاري في شرح الشفا أنه رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب ، وقال الخفاجي : كان من دأب السلف أنهم يرسلون السلام إلى رسول الله r ، وكان ابن عمر يفعله ويرسل له عليه الصلاة والسلام ولأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ورسول الله r وإن كان يبلغه سلام من سلم عليه وإن كان بعيداً عنه لكن في هذا فضيلة خطابه عنده ورده عليه السلام بنفسه . اهـ . من نسيم الرياض للخفاجي (ج3 ص516) .
وذكره الفيروز آبادي في الصّلات والبشر ص153 .
صوت وسلام وآذان يسمع من القبر النبوي
روى الإمام الحافظ أبو محمد عبد الله الدارمي في كتابه السنن الذي يعتبر من كتب الأصول الحديثية الستة ، قال : أخبرنا مروان بن محمد عن سعيد ابن عبد العزيز قال : لما كان أيام الحرة لم يؤذن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ، ولم يقم ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد ، وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبي r فذكر معناه . اهـ .
من سنن الدارمي (ج1 ص44) ، ونقله الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أحكام تمني الموت من مجموعة مؤلفاته ج3 ص47 ، ونقل هذه الرواية الإمام مجد الدين الفيروز آبادي صاحب القاموس في الصلات والبشر ص154 . وقال إبراهيم بن شيبان : حججت فجئت المدينة فتقدمت إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فسلمت عليه فسمعت من داخل الحجرة : وعليك السلام .
تأييد ابن تيمية لهذه الوقائع
ذكر الشيخ ابن تيمية هذه الوقائع في معرض كلامه عن اتخاذ القبر مسجداً أو وثناً يعبد ، ثم قال : ولا يدخل في هذا الباب ما يروى من أن قوماً سمعوا رد السلام من قبر النبي r أو قبور غيره من الصالحين ، وأن سعيد ابن المسيب كان يسمع الأذان من القبر ليالي الحرة ونحو ذلك اهـ . (اقتضاء الصراط المستقيم ص373)(20).
ثم قال في موضع آخر : وكذلك ما يذكر من الكرامات وخوارق العادات التي توجد عند قبور الأنبياء والصالحين مثل نزول الأنوار والملائكة عندها وتوقي الشياطين والبهائم لها واندفاع النار عنها وعمن جاورها وشفاعة بعضهم في جيرانه من الموتى واستحباب الاندفان عند بعضهم وحصول الأنس والسكينة عندها ونزول العذاب بمن استهان بها فجنس هذا حق ليس مما نحن فيه ، وما في قبور الأنبياء والصالحين من كرامة الله ورحمته ، وما لها عند الله من الحرمة والكرامة فوق ما يتوهمه أكثر الخلق ، لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك . اهـ . (من اقتضاء الصراط المستقيم ص374)
((ثبوت بعض هذه الكرامات لغير الأنبياء))
وقد روى أهل العلم شيئاً من هذه الكرامات لبعض السلف الصالح رضي الله عنهم حصلت لهم بعد وفاتهم ، ونقلها عنهم الثقات عن الثقات الذين رأوها بأعينهم وسننقل هنا بعض ذلك عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، قال في كتاب أحكام تمني الموت ضمن مجموعة مؤلفاته التي نشرتها جامعة الإمام محمد بن سعود :
الصلاة في القبر :
ولأحمد عن عفان عن حماد عن ثابت أنه قال : اللهم إن كنت أعطيت أحداً الصلاة في قبره ، فأعطني الصلاة في قبري .
ولأبي نعيم عن جبير قال : أنا – والله الذي لا إله إلا هو – أدخلت ثابتاً البناني في لحده ، ومعي حميد الطويل ، فلما سوينا عليه اللبن ، سقطت لبنة ، فإذا أنا به يصلي في قبره .
قراءة القرآن :
وله ولابن جرير عن إبراهيم بن المهلبي قال : حدثني الذين كانوا يمرون بالجص بالأسحار ، قالوا : كنا إذا مررنا بجبانة قبر ثابت البناني سمعنا قراءة القرآن .
وللترمذي وحسنه عن ابن عباس قال : ضرب بعض أصحاب النبي r خباءه على قبر ، وهو لا يحسب أنه قبر ، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها ، فأتى النبي r فأخبره ، فقال رسول الله r : [هي المانعة ، هي المنجية ، تنجيه من عذاب القبر] .
وللنسائي والحاكم عن عائشة قالت : قال رسول الله r : [نمت فرأيتني في الجنة – ولفظ النسائي : دخلت الجنة – فسمعت صوت قارئ يقرأ ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : حارثة بن النعمان] ، فقال رسول الله r : [كذاك البر ، كذاك البر ، كذاك البر] وكان أبر الناس بأمه .
ولابن أبي الدنيا عن الحسن قال : بلغني أن المؤمن إذا مات ولم يحفظ القرآن أمر حفظته أن يعلّموه القرآن في قبره حتى يبعثه الله يوم القيامة مع أهله .
وله عن يزيد الرقاشي نحوه ، وروى السلفي معناه من مراسيل عطية العوفي .
تزاور أهل القبور :
ولابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال : كان يحب حسن الكفن ، ويقول : إنهم يتزاورون في أكفانهم ، ومعناه في مسند ابن أبي أسامة عن جابر مرفوعاً ، وفيه ويتباهون ويتزاورون في قبورهم .
ولمسلم من حديثه : [إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه] .
وللترمذي وابن ماجه ومحمد بن يحي الهمداني في صحيحه عن أبي قتادة مرفوعاً : [إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه ، فإنهم يتزاورون في قبورهم] .
رسالة من الدنيا إلى البرزخ مع ميت :
وأخرج ابن أبي الدنيا بسند لا بأس به عن راشد بن سعد : أن رجلاً توفيت امرأته ، فرأى نساء في المنام ، ولم ير امرأته معهن ، فسألهن عنها ، فقلن : إنكم قصرتم في كفنها ، فهي تستحي أن تخرج معنا ، فأتى الرجل النبي r فأخبره ، قال النبي r : [أنظر هل إلى ثقة من سبيل ؟] فأتى رجلاً من الأنصار قد حضرته الوفاة ، فأخبره ، فقال الأنصاري : إن كان أحد يبلغ الموتى بلغت ، فتوفي الأنصاري ، فجاء بثوبين مزودين بالزعفران ،فجعلهما في كفن الأنصاري ، فلما كان الليل رأى النسوة ، ومعهن امرأته ، وعليها الثوبان الأصفران.
وروى ابن الجوزي عن محمد بن يوسف الفريابي : قصة المرأة التي رأت أمها في المنام ، تشكو إليها الكفن ، فقصوا على محمد وسألوه ، وفيه : أن أمها قالت لها : اشتروا لي كفناً ، وابعثوه مع فلانة ، قال الفريابي : فذكر الحديث : أنهم يتزاورون في أكفانهم ، فقلت : اشتروا لها كفناً ، فماتت المرأة في اليوم الذي ذكرت ، ووضعوه معها .
النور على القبور :
ولابن أبي الدنيا عن أبي غالب – صاحب أبي أمامة – أن فتى بالشام حضره الموت ، فقال لعمه : أرأيت لو أن الله تعالى دفعني إلى والدتي ما كانت صانعة بي ؟ قال : إذاً والله كانت تدخلك الجنة ، قال : فوالله الله أرحم بي من والدتي ، فقبض الفتى ، فدخلت القبر مع عمه ، فقلنا : باللبن ، فسويناه عليه ، فسقطت منها لبنة ، فوثب عمه فتأخر ، فقلت : ما شأنك ؟ فقال : مليء قبره نوراً ، وفسح له مدّ بصره .
ولأبي داود وغيره عن عائشة قالت : لما مات النجاشي ، كنّا نحدث : أنه لا يزال يرى على قبره نور .
وفي تاريخ ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عمارة قال : حضرت جنازة الأحنف بن قيس ، فكنت فيمن نزل قبره ، فلما سويته رأيته قد فسح له مدّ بصري ، فأخبرت بذلك أصحابي ، فلم يروا ما رأيت .
وعن إبراهيم الحنفي قال : لما صلب ماهان الحنفي على بابه ، كنا نرى الضوء عنده في الليل .
انظر أحكام تمني الموت المصحح على النسخة المصورة / 771 /86 بالمكتبة السعودية بالرياض تحقيق الشيخ عبد الرحمن السدحان والشيخ عبد الله الجبرين ، مجلد الفقه القسم الثاني .
وقد ذكروا في أول المجموعة توثيق هذه النسخ وتصحيح نسبتها إلى الشيخ ، وقد قامت جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض بنشر هذه المجموعة كاملة بعد تحقيقها تحت إشرافها بمناسبة أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب .
(20)[1] انظر الملحق آخر الكتاب رقم 20 .