القبر النبوى والتبرك بالتمسح به أو الشباك وتقبيله
القبر النبوي والتبرك بالتمسح به أو الشباك وتقبيله
اعلم أنه ينبغي للزائر أن لا يقبل القبر الشريف ولا يمسحه بيديه ولا يلصق بطنه وظهره بجداره أو بالحاجز المستور بالكسوة أو الشباك فإن كل ذلك مكروه لما فيه من استعمال خلاف الأدب في حضرته r ، وقصد التبرك لا ينفي الكراهة لأنه جهل بما يليق من الأدب ولا اغترار بما يفعله أكثر العوام فإن الصواب الذي قاله العلماء وأطبقوا على خلافه كما صرح به النووي في إيضاحه .
وأطال ابن حجر في المنح والجوهر في ترجيحه قال في الإحياء : مسّ المشاهد وتقبيلها عادة اليهود والنصارى اهـ .
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله ما معناه : اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين ، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين ، ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته ، لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع وكيف ينبغي الفضل في مخالفة الصواب . اهـ . (من المجموع ج8 ص275).
رأي الإمام أحمد بن حنبل
وقد جاءت روايات عن الإمام أحمد في هذا الموضوع بعضها يفيد جواز ذلك وبعضها يفيد التوقف في الحكم ، وبعضها يفيد التفريق بين المنبر النبوي وبين القبر ، وذلك بجواز الأول والتوقف في الثاني أو الإباحة ومهما كان ذلك الاختلاف فإنه لا يصل الحال بالحكم على فاعله بالكفر أو الضلال أو الخروج عن الملة أو الابتداع في الدين غاية ما في الأمر أنه فعل ما هو مختلف فيه ، أو ما هو مكروه ، والمقصود هو ألا يتخذ ذلك عادة حتى يغتر به العوام ويظنونه من مستلزمات الزيارة وآدابها ، وإليك كلام الإمام أحمد :
قال في خلاصة الوفا ما نصه : وفي كتاب العلل والسؤالات لعبد الله ابن أحمد ابن حنبل قال : سألت أبي عن الرجل يمس قبر النبي r يتبرك بمسه وتقبيلـه ويفعل بالمنبر مثل ذلك رجـاء ثواب الله تعالى ، فقـال: لا بأس به قال أبو بكر الأثرم : قلت لأبي عبد الله – يعني أحمد بن حنبل – قبر النبي r يمس ويتمسح به ؟ فقال : ما أعرف هذا ، قلت له : فالمنبر ؟ فقال : أما المنبر فنعم ، فقد جاء فيه ، قال أبو عبد الله : شيء يروونه عن ابن فديك عن أبي ذئب عن ابن عمر [ أنه مسح على المنبر ] قال : ويروونه عن سعيد بن المسيب في الرمانة ، قلت : ويروون عن يحيى بن سعيد : أنه حين أراد الخروج إلى العراق جاء إلى المنبر فمسحه ودعا فرأيته استحسنه ، ثم قال : لعله عند الضرورة والشيء ، قيل لأبي عبد الله : إنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر ، وقلت له : رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسونه ويقومون ناحية فيسلمون ، فقال أبو عبد الله : نعم وهكذا كان ابن عمر يفعل ، ثم قال أبو عبد الله : بأبي هو وأمي r .
قال الشيخ ابن تيمية : فقد روى أحمد وغيره في التمسح بالمنبر والرمانة التي هي موضع مقعد النبي r ويده ، ولم يرخصوا في التمسح بقبره ، وقد حكى بعض أصحابنا رواية في مسح قبره لأن أحمد شيع بعض الموتى فوضع يده على قبره يدعو له والفرق بين الموضعين ظاهر . اهـ اقتضاء الصراط المستقيم (ص367) ، ونقله ابن مفلح عن الإمام أحمد في الفروع (ج3/ ص524) .