مشروعية التوسل على طريقة الشيخ ابن تيمية
مشروعية التوسل على طريقة الشيخ ابن تيمية
يقول الشيخ ابن تيمية في كتابه [ قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ] عند الكلام على قوله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ { ، فابتغاء الوسيلة إلى الله سبحانه وتعالى إنما يكون لمن توسل إلى الله بالإيمان بمحمد واتباعه ، وهذا التوسل بالإيمان به وبطاعته فرض على كل أحد في كل حال باطناً وظاهراً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته في مشهده ومغيبه لا يسقط التوسل بالإيمان به وبطاعته عن أحد من الخلق في حال من الأحوال بعد قيام الحجة عليه ولا يعذر من الأعذار ولا طريق إلى كرامة الله ورحمته والنجاة من هوانه وعذابه إلا بالتوسل به وبطاعته وهو صلى الله عليه وسلم شفيع الخلائق ، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون فهو أعظم الشفعاء قدراً وأعلاهم جاهاً عند الله وقال تعالى عن موسى: } وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً { ، وقال عن المسيح : } وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ { ، ومحمد r أعظم جاهاً من الأنبياء والمرسلين ، ولكن شفاعته ودعاؤه إنما ينتفع به من شفع له الرسول ودعا له فمن دعا له الرسول وشفع له توسل إلى الله بشفاعته ودعائه كما كان أصحابه يتوسلون إلى الله بدعائه وشفاعته وكما يتوسل الناس يوم القيامة إلى الله تعالى بدعائه وشفاعته صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً .
وفي الفتاوى الكبرى : سئل شيخ الإسلام رحمه الله هل يجوز التوسل بالنبي r أم لا ؟ فأجاب : الحمد لله ، أما التوسل بالإيمان به ومحبته وطاعته والصلاة والسلام عليه وبدعائه وشفاعته ونحو ذلك مما هو من أفعاله وأفعال العباد المأمور بها في حقه فهو مشروع باتفاق المسلمين . [ الفتاوى الكبرى ج1 ص140 ] .
قلت : فيستفاد من كلام الشيخ ابن تيمية أمران :
الأول : أن المسلم المطيـع المـحب لرسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتبع لـه المصدق بشفاعته يشرع له أن يتوسل بطاعته ومحبته وتصديقه ذلك ، وإننا إذا توسلنا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فالله يشهد أننا إنما نتوسل بالإيمان به وبمحبته وبفضله وشرفه فهذا هو المقصود الأصلي من التوسل ولا يتصور أن يتوسل أحد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لغير هذا المعنى ، ولا يمكن أن يكون سوى ذلك من جميع المسلمين المتوسلين ، غير أن المتوسل قد يصرح به وقد لا يصرح اعتماداً على المقصود الأصلي من التوسل الذي هو الإيمان بالنبي ومحبته صلى الله عليه وآله وسلم لا غير .
الثاني : مما يستفاد من كلام الشيخ ابن تيمية أن من دعا له الرسول r صح له أن يتوسل إلى الله بدعائه r له ، وقد جاء أنه r قد دعا لأمته كما ثبت ذلك في أحاديث كثيرة .
منها : عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لما رأيت من النبي r طيب النفس ، قلت : يارسول الله ! أدع الله لي ، فقال : ((اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك ، فقال لها رسول الله r أيسرك دعائي ، فقالت : وما لي لا يسرني دعاؤك ، فقال r : إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة)) .
رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة ، ( كذا في مجمع الزوائد ) ، لذا فإنه يصح لكل مسلم أن يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بذلك فيقول : اللهم إن نبيك محمداً r قد دعا لأمته وأنا من أفراد هذه الأمة فأتوسل إليك بهذا الدعاء أن تغفر لي وأن ترحمني إلى آخر ما يريد ، فإذا قال ذلك لم يخرج عن الأمر المتفق عليه بين كافة علماء المسلمين ، فإن قال : اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد r فقد فاته التصريح بما ينويه وبيان ما ينعقد عليه قلبه وهو مقصود كل مسلم ومراده لا يخرج عن هذا الحد لأن المتوسل بالنبي r لا يقصد بذلك إلا تلك المعاني المتعلقة بذاته r من محبة وقربة وجاه ورتبة وفضل ودعـاء وشفاعـة ، خصوصـاً وأنـه صلى الله عليـه وسلـم فـي بـرزخـه يسمع الصلاة والسلام ويرد على ذلك بما يليق ويناسب من سلام واستغفار لما قد جاء في الحديث عن النبي r : ((حياتي خير لكم ومماتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، تعرض أعمالكم عليَّ فإن وجدتُّ خيراً حمدت الله ، وإن وجدت شراً استغفرت الله لكم)).
رواه الحافظ إسماعيل القاضي في جزء الصلاة على النبي r ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وصححه بقوله : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح كما سيأتي.
وهذا صريح بأنه صلى الله عليه وسلم يستغفر للأمة في برزخه والاستغفار دعاء والأمة تنتفع بذلك وجاء في الحديث أن النبي r قال : ((ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد السلام)) ..
رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال النووي : إسناده صحيح . فهذا صريح بأن النبي r يرد السلام على المسلم ، والسلام هو الأمان فهو دعاء بالأمان للمسلم وهو ينتفع بذلك .
] ] ]
مشروعية التوسل بالنبي r خاصة عند الإمام
أحمد بن حنبل وابن تيمية
على أن الشيخ ابن تيمية في بعض المواضع من كتبه أثبت جواز التوسل بالنبي r دون تفريق أو تفصيل بين حياته وموته وحضوره وغيابه ، ونقل عن الإمام أحمد والعز بن عبد السلام جواز ذلك في الفتاوى الكبرى .
قال الشيخ : وكذلك مما يشرع التوسل به صلى الله عليه وسلم في الدعاء
كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه : ((أن النبي r علم شخصاً أن يقول : اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد r نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك فيجلي حاجتي ليقضيها فشفعه فيَّ)) .. فهذا التوسل به حسن . اهـ ( الفتاوى ج3 ص276 ) .
وقال أيضاً : والتوسل إلى الله بغير نبينا r سواء سمي استغاثة أو لم يسم لا نعلم أحداً من السلف فعله ولا روى فيه آثاراً ولا نعلم فيه إلا ما أفتى به الشيخ من المنع ، وأما التوسل بالنبي r ففيه حديث في السنن ، رواه النسائي والترمذي وغيرهما : أن أعرابياً أتى النبي r فقال : يارسول الله ! إني أصبت في بصري فادع الله لي ، فقال له النبي r : ((توضأ وصل ركعتين ، ثم قل : اللهم أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد يامحمد إني أتشفع بك في رد بصري اللهم شفع نبيك فيَّ ، وقال : فإن كانت لك حاجة فمثل ذلك . فرد الله بصره)) .. فلأجل هذا الحديث استثنى الشيخ التوسل به.اهـ ( الفتاوى ج1 ص105 )
وقال الشيخ ابن تيمية أيضاً في موضع آخر :
ولذلك قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروزي صاحبه : أنه يتوسل بالنبي r في دعائه ، ولكن غير أحمد قال : إن هذا إقسام على الله به ، ولا يقسم على الله بمخلوق ، وأحمد في إحدى الروايتين قد جوَّز القسم به ، فلذلك جوَّز التوسل به . ( ج1 ص140 من الفتاوى )
] ] ]
جواز التوسل عند الإمام الشوكاني
قال الإمام المحدث السلفي الشيخ محمد بن علي الشوكاني في رسالته (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ) : أما التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأحد من خلقه في مطلب يطلب العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام : إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي r إن صح الحديث فيه . ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي وصححه ابن ماجه وغيرهم أن أعمى أتى النبي r فذكر الحديث ، قال : وللناس في معنى هذا قولان : أحدهما : أن التوسل هو الذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال : كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا هو في صحيح البخاري وغيره ، فقد ذكر عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يتوسلون بالنبي r في حياته في الاستسقاء ثم توسل بعمه العباس بعد موته وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فيكون هو وسيلتهم إلى الله تعالى والنبي r كان في مثل هذا شافعاً وداعياً لهم .
والقول الثاني : أن التوسل به r يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه ، ولا يخفاك أنه قد ثبت التوسل به r في حياته ، وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعاً سكوتياً لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضي الله عنه في توسله بالعباس رضي الله عنه ، وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي r كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين :
الأول : ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
والثاني : أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة إذ لا يكون فاضلاً إلا بأعماله ، فإذا قال القائل : اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي r حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل إلى الله بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة ، فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركاً كما زعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ، ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي r عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم ، وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى : } مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى { ، ونحو قوله تعالى : } فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً { ، ونحو قوله تعالى : } لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ {. ليس بوارد بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه ، فإن قولهم : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، مصرح بأنهم عبدوهم لذلك ، والمتوسل بالعالم مثلاً لم يعبده بل علم أن له مزية عند الله بحمله العلم فتوسل به لذلك ، وكذلك قوله : } فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً { فإنه نهى عن أن يدعى مع الله غيره كأن يقول بالله وبفلان ، والمتوسل بالعالم مثلاً لم يدع إلا الله فإنما وقع منه التوسل عليه بعمل صالح عمله بعض عباده كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم ، وكذلك قوله : } وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ { الآية .
فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الذي يستجيب لهم ، والمتوسل بالعالم مثلاً لم يدع إلا الله ولم يدع غيره دونه ولا دعاء غيره معه ، فإذا عرفت هذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع خروجاً زائداً على ما ذكرناه كاستدلالهم بقوله تعالى : }وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ { . فإن هذه الآية الشريفة ليست فيها دلالة إلا أنه تعالى هو المنفرد بالأمر في يوم الدين وأنه ليس لغيره من الأمر شيء ، والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة لله جل جلاله في أمر يوم الدين ، ومن اعتقد هذا لعبد من العباد سواء كان نبياً أو غير نبي فهو في ضلال مبين ، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله : } لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ { ، } قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً { فإن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول الله r من أمر الله شيء وأنه لا يملك لنفسـه نفعـاً ولا ضـراً فكيـف يملـك لغيـره ، وليـس فيهمـا منـع التوسل به وبغيره من الأنبيـاء أو الأوليـاء أو العلمـاء ، وقـد جعـل الله لرسول الله r المقـام المحمـود مقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه ، وقال له : سل تعطه واشفع تشفع ، وقيل ذلك في كتابه العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى ، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله r لما نزل قوله تعالى : } وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ { : يا فلان بن فلان لا أملك لك من الله شيئاً ، يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئاً ، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه r لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالى نفعه ، وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلاً عن غيرهم شيئاً من الله ، وهذا معلوم لكل مسلم ، وليس فيه أنه لا يتوسل به إلى الله فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سبباً للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين . انتهى كلام الشوكاني .
] ] ]
الشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول بجواز التوسل
سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن قولهم في الاستسقاء : [ ( لا بأس بالتوسل بالصالحين ) وقول أحمد : ( يتوسل بالنبي r خاصة ) مع قولهم : إنه لا يستغاث بمخلوق ] ؟
فقال: فالفرق ظاهر جداً ، وليس الكلام مما نحن فيه ، فكون بعض يرخص بالتوسل بالصالحين ، وبعضهم يخصه بالنبي r ، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه ، فهذه المسألة من مسائل الفقه ، وإن كان الصواب عندنا قول الجمهور من أنه مكروه ، فلا ننكر على من فعله ، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد ، ولكن إنكارنا على من دعا لمخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب فيه تفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإعطاء الرغبـات ، فأيـن هـذا ممـن يدعـو الله مخلصـاً لـه الديـن لا يدعـو مـع الله أحـداً ولكـن يقـول في دعائـه : أسألـك بنبيـك أو بالمرسلين أو بعبـادك الصالحين،
أو يقصـد قبراً معروفـاً أو غيـره يدعـو عنـده ، لكـن لا يدعـو إلا الله مخلصاً له الدين فأين هذا مما نحن فيه .
( انتهى من فتاوى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في مجموعة المؤلفات القسم الثالث ص68 التي نشرتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ) .
وهذا يدل على جواز التوسل عنده غاية ما يرى أنه مكروه في رأيه عند الجمهور ، والمكروه ليس بحرام فضلاً عن أن يكون بدعة أو شركاً .
الشيخ محمد بن عبد الوهاب يتبرأ عمّن يكفر المتوسلين
وقد جاء عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته الموجهة لأهل القصيم الاستنكار الشديد على من نسب إليه تكفير المتوسل بالصالحين ، وقال : إن سليمان بن سحيم افترى عليَّ أموراً لم أقلها ، ولم يأت أكثرها على بالي ، فمنها : أني أكفر من توسل بالصالحين ، وأني أكفر البوصيري لقوله : يا أكرم الخلق ،وأني أحرق دلائل الخيرات .
وجوابي عن هذه المسائل : أني أقول سبحانك هذا بهتان عظيم .
وجاء أيضاً تأييد قوله هذا في رسالة أخرى له بعثها إلى أهل المجمعة يقول فيها : إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها ، منها ما هو من البهتان الظاهر ، وهو قوله : أني أكفر من توسل بالصالحين ،وأني أكفر البوصيري إلى آخر ما قال ،ثم قال: وجوابي فيها أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم .
[أنظر الرسالة الأولى والحادية عشرة من رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب القسم الخامس 12 وص64] .
التوسـل بآثـاره r
ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بآثاره r وهذا التبرك ليس له إلا معنى واحد ألا وهو التوسل بآثاره إلى الله تعالى لأن التوسل يقع على وجوه كثيرة لا على وجه واحد .
أفتراهم يتوسلون بآثاره ولا يتوسلون به ؟
هل يصح أن يتوسل بالفرع ولا يصح بالأصل ؟ .
هل يصح أن يتوسل بالأثر الذي ما شرف ولا عظم وكرم إلا بسبب صاحبه محمد r ، ثم يقول قائل : إنه لا يصح أن يتوسل به ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم ! .
والنصوص الواردة في هذا الباب كثيرة جداً نقتصر على أشهرها ، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يحرص كل الحرص على أن يدفن بقرب رسول الله r لما حضرته الوفاة فيبعث ولده عبد الله ليستأذن السيدة عائشة في ذلك وإذا بالسيدة عائشة تعلن أنها كانت تريد هذا المكان لنفسها ، فتقول كنت أريده لنفسي ولأوثرنه على نفسي فيذهب عبد الله ويبشر أباه بهذه البشارة العظيمة وإذا بعمر يقول : الحمد لله ما كان شيء أهم إليَّ نم ذلك . وانظر تفصيل القصة في البخاري فما معنى هذا الحرص من عمر ومن عائشة ؟ .
ولماذا كان الدفن بقرب رسول الله أهم شيء وأحب شيء إلى عمر ؟ ليس لذلك تفسير إلا التوسل بالنبي r بعد وفاته بالتبرك بالقرب منه .
وهذه أم سليم تقطع فم القربة التي شرب منها رسول الله r يقول أنس فهو عندنا .
وهؤلاء الصحابة يتسابقون لأخذ شعرة واحدة من شعر رأسه لما حلقه .
وهذه أسماء بنت ابي بكر تحتفظ بجبة رسول الله r وتقول : فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها .
وهذا خاتم رسول الله r يحتفظ به بعده أبو بكر وعمر وعثمان ثم يسقط منه في البئر .
وكل هذه الأحاديث ثابتة وصحيحة كما ذكرناه في مبحث التبرك والذي نريد أن نقوله هو أننا نتساءل لماذا هذه المحافظة منهم رضي الله تعالى عنهم على آثار النبي صلى الله عليه وسلم .
[ فم القربة ، الشعر ، العرق ، الجبة ، الخاتم ، المصلى ] فما مقصودهم من ذلك أهي الذكرى مجرد الذكرى أم هي المحافظة على الآثار التاريخية لوضعها في المتحف ، فإن كانت الأولى فلماذا يعتنون بها عند الدعاء والتوجه إلى الله إذا أصابهم البلاء أو المرض ، وإذا كانت الثانية فأين هذا المتحف ومن أين جاءتهم هذه الفكرة المبتدعة ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .
لم يبق إلا التبرك بآثاره r للتوسل بها إلى الله في الدعاء لأن الله هو المعطي وهو المسؤول والكل عبيده وتحت أمره لا يملكون شيئاً لأنفسهم فضلاً عن غيرهم إلا بإذن الله سبحانه وتعالى .