الإمام أبو الحسن الأشعري مقرر لمذهب السلف ومدافع عنه،ربط الدكتور بين مذهب الأشاعرة والإستشراق
5- الإمام أبو الحسن الأشعري مقرر لمذهب السلف ومدافع عنه
ونقل الإمام تاج الدين السبكي عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن موسى بن عمار المايُرْقي انه قال: ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة؛ إنما جرى على سنن غيره وعلى نصرة مذهب معروف، فزاد المذهب حجةً وبياناً، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبا انفرد به …ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه، وتواليفه في نصره… ثم ذكر المايرقي رسالة الشيخ أبي الحسن القابسي المالكي التى يقول فيها: واعلموا أن أبا الحسن الأشعري لم يأت من علم الكلام إلا ما أراد به إيضاح السنن والتثبت عليها، إلى أن يقول القابسي: وما أبو الحسن إلا واحد من جملة القائمين في نصرة الحق، ما سمعنا من أهل الإنصاف من يؤخره عن رتبة ذلك، ولا من يؤثر عليه في عصره غيره، ومَن بعده من أهل الحق سلكوا سبيله، إلى أن قال: لقد مات الأشعري يوم مات وأهل السنة باكون عليه وأهل البدع مستريحون منه.
وذَكَر قول الشيخ أبي محمد عبد الله بن أبي زيد في جوابه لمن لامه في حب الأشعري: ما الأشعري إلا رجل مشهور بالرد على أهل البدع، وعلى القدرية والجهمية، متمسك بالسنن وأطال المايرقي وغيره من المالكية في تقريظ الشيخ أبي الحسن.[1]
وقال الإمام الحافظ البيهقي في جملة ما كتبه إلى عميد الملك: إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري – رحمه الله- فلم يحدث في دين الله حدثاً ، ولم يأت فيه ببدعةٍ ، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين، فنصرها بزيادة شرحٍ وتبيين ، وأن ما قالوا في الأصول وجاء به الشرع صحيحٌ في العقول، خلاف ما زعم أهل الأهواء من أنَّ بعضه لا يستقيم في الآراء ، فكان في بيانه… نصرةُ أقاويل من مضى من الأئمة كأبي حنيفةَ وسفيان الثوري من أهل الكوفة والأوزاعيِّ وغيره من أهل الشام ومن نحا نحوهما من أهل الحجاز وغيرها من سائر البلاد، ومالكٍ والشافعي من أهل الحرمين، وكأحمدَ بن حنبل وغيرِه من أهل الحديث، والليثِ بن سعدٍ وغيره وأبي عبد الله بن إسماعيل البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري إمامي أهل الأثر وحفاظ السنن التى عليها مدار الشرع رضي الله تعالى عنهم أجمعين هذا قطعةٌ من رسالة البيهقي نقلها الحافظ ابن عساكر في (تبيين كذب المفتري)[2].
6- ربط الدكتور بين مذهب الأشاعرة والإستشراق
قال الدكتور: {وقد ظهرت في الآونة الأخيرة محاولات ضخمة متواصلة لترميمه (أي لترميم مذهب الأشاعرة) وتحديثه يشرف عليها هيئات رسمية كبرى، ويغذيها المستشرقون بما ينبشونه من تراثه ويخرجون من مخطوطاته}
أقول: مذهب الأشاعرة لم يقع فيه تصدع وتشقق حتى يحتاج إلى الترميم والتحديث وليت شعري من الذي حاول ترميمه وتحديثه فهلا ذكرهم الدكتور!!؟
وأما الربط بين نشر كتب الأشاعرة والإستشراق فمن تهويشات الدكتور، فإن المستشرقين يعتنون بفروع المعرفة كافة، وقد أسهموا في نشر كثير من كتب التراث الإسلامي ومنها بعض كتب الأشاعرة ككتاب “نهاية الإقدام في علم الكلام” لعبد الكريم الشهرستاني، ولا أعلم له ثانيا. نعم قد نشر المستشرق كلود سلامة كتاب “تبصرة الأدلة” في أصول الدين لأبي المعين النسفي، وهو على مذهب الماتريدية، كما طبعوا كتاب “الرد على الجهمية” للدارمي، وهو من كتب العقيدة على مذهب الدكتور.
وأما دعوى تركيز المستشرقين على نشر كتب الأشاعرة فغير صحيحة، ولو فرض تركيزهم على نشرها فهذا لا ينقص من قدرها ولا يكون سبة عليها.
7- لم يكفر الأشاعرة إلا من أنكر أمرا مجمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة
قال الدكتور: {فالأشاعرة هم الذين كفروا وما يزالون يكفرون أتباع السلف بل كفروا كلَّ من قال إن الله تعالى موصوفٌ بالعلو- كما سيأتي هنا- وحسبك تكفيرهم واضطهادهم لشيخ الإسلام وهو ما لم يفعله أهل السنة بعالم أشعري قط}
أقول: لم يكفِّرْ أحدٌ من الأشاعرة أهل الحديث الذين عناهم المؤلف بأتباع السلف بل عدُّوهم من جملة أهل السنة.
وأما تكفير كل من قال: إن الله تعالى موصوف بالعلو. فلم يقل به أحد منهم، كيف وهم لا يذكرون الله إلا ويعقبونه بقولهم: (تعالى)، وقد وصف الله تعالى نفسه في كتابه بأنه العلي!؟ نعم يكفِّر الأشاعرة المجسمة إذا قالوا: جسم كالأجسام وقد كفر بعضهم الجهوية أيضا، وأين وصف العلو من الجهة والتجسيم!.
وأما التكفير من بعض المسلمين لبعضهم الآخر فقد صدر من بعض المنسوبين لبعض المذاهب لبعض مخالفيهم عن طريق الاجتهاد المشوب بشيءٍ من التعصب والهوى مع مخالفة ذلك لأصول مذاهبهم من عدم تكفير أهل القبلة، فالمشكلة مشكلة بعض الأفراد، وليست مشكلة المذاهب: فلا يجوز نسبة هذه المشكلة إلى المذاهب والفرق الإسلامية عامة. ومن هذا القبيل تكفير تقي الدين الحصني وعلاء الدين البخاري لابن تيمية. وأما معظم الأشاعرة فمع مخالفتهم له في كثير من المسائل معترفون بفضله وجلالة قدره في العلم والعمل. ولعل هذا لا يخفى على الدكتور سفر.
والمقرَّرُ عند الأشعرية أنه لا يكفُرُ إلا من أنكر أمراً مجمعاً عليه معلوماً كونُهُ من الدين بالضرورة.
وأما الاضطهاد لابن تيمية فإن أراد الدكتور به الضرب والجلد فغير صحيح فإن أحدا من علماء الأشاعرة لم يفعل به هذا. وإن أراد به الحكم بحبسه فصحيح، فقد حكم عليه المناظرون له في المسائل التى خالف فيها جمهور الأئمة بالزجر وطول السجن والمنع من الفتوى.
وأما حكم الدكتور بأن من سماهم أهل السنة لم يفعلوا بعالم أشعري مثل هذا فغير صحيح، فقد سجل التاريخ ما فعلوه بالإمام ابن جرير الطبري، حبسوه في منزله ومنعوا الناس من الدخول عليه حتى توفي فيه. قال الذهبي: قال حسين بن على النيسابوري: أول ما سألني ابن خزيمة قال: كتبت عن محمد بن جرير؟ قلت: لا، قال: ولم؟ قلت: لأنه كان لا يظهر، وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه، فقال: بئس ما فَعَلََتْ، ليتك لم تكتب عن كل من كتبت عنهم، وسمعت منه، ومثله في “تاريخ بغداد”[3].وابن جرير الطبري وان لم يكن أشعريا بمعنى المتابعة للأشعري لأنه معاصر له توفي قبله سنة 310 وتوفي الأشعري سنة 324، لكنه أشعري بمعنى الموافقة للأشعري في العقيدة.
وقد كانوا يؤذون الأشاعرة ويوقعون بهم كلما صارت لهم شوكة. ومنه ما حكاه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة في ترجمة أبي جعفر عبد الخالق بن عيسى قال: فوصل إلى مدينة السلام بالجانب الشرقي ولد القشيري، وأظهر على الكرسي مقالة الأشعري، ولم تكن ظهرت قبل ذلك على رؤوس الأشهاد لما كان يلحقهم من أيدي أصحابنا وقمعهم… فاشتد أزر أهل السنة وقويت شوكتهم، وأوقعوا بأهل هذه البدعة دفعات، وكانت الغلبة لطائفتنا طائفة الحق. انتهى.[4]
يقصد ابن أبي يعلى بأهل السنة من سماهم الدكتور بأهل السنة، ويقصد بأهل البدعة الأشاعرة.
وقد كانوا يشاغبون الأشاعرة ومن على مذهبهم ويفتعلون الفتن والاضطرابات. ومنه ما حكاه ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة 317 قال: وفيها وقعت فتنة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي وبين طائفة من العامة اختلفوا في تفسير قوله تعالى: (عسي أن يبعثك ربك مقاما محمودا) فقالت الحنابلة: يجلسه معه على العرش. وقال الآخرون: المراد بذلك الشفاعة العظمى. فاقتتلوا بسبب ذلك ووقع بينهم قتلى فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد ثبت في صحيح البخاري أن المراد بذلك مقام الشفاعة العظمى، وهي الشفاعة في فصل القضاء بين العباد. انتهى.[5] والمتتبع للتاريخ يجد الكثير من مشاغباتهم. والدكتور يعلم هذا جيدا حيث أشار إليه في ما بعد بقوله: ولم يزل الحنابلة معهم ( أي مع الأشاعرة) في معركة طويلة… إلخ.
قال الدكتور: {إن مصطلح أهل السنة يطلق ويراد به معنيان: المعنى الأعم وهو ما يقابل الشيعة فيقال: المنتسبون للإسلام قسمان؛ أهل السنة والشيعة، مثلما عنون شيخ الإسلام كتابه في الرد على الرافضي “منهاج السنة” وفيه بين هذين المعنيين، (وصرح أن ما ذهبت إليه الطوائف المبتدعة من أهل السنة بالمعنى الأخص) وهذا المعنى يدخل فيه كل من سوى الشيعة كالأشاعرة..الخ كلامه}
ما بين الهلالين غير مفهوم.
[1] طبقات الشافعية الكبرى 3/367
[2] ص103
[3] تاريخ الإسلام في حوادث سنة 310 تاريخ بغداد 2/162.
[4] طبقات الحنابلة 2/239
[5] البداية والنهاية 11/162