المقرر عند الأشاعرة أنهم لا يكفرون إلا من أنكر أمراً مجمعاً عليه معلوماً من الدين بالضرورة،أخطاء الدكتور،دعوى الدكتور أن مذهب الأشاعرة متناقض
67 – المقرر عند الأشاعرة أنهم لا يكفرون إلا من أنكر أمراً مجمعاً عليه معلوماً من الدين بالضرورة:
قال الدكتور: الثالث عشر: التكفير: التكفير عند أهل السنة والجماعة حق الله تعالى، لا يطلق إلا على من يستحقه شرعا، ولا تردد في إطلاقه على من ثبت كفره بشروطه الشرعية.
أما الأشاعرةُ فهم مضطربون اضطراباً كبيراً، فتارةً يقولون: نحنُ لا نكفِّرُ أحداً، وتارةً يقولون: نحنُ لا نكفرُ إلا مَنْ كفَّرنا، وتارةً يكفرون بأمور لا تستوجبُ أكثر من التفسيق أو التبديع، وتارةً يكفرون بأمورٍ لا توجبُ مجرد التفسيق، وتارةً يكفرون بأمورٍ هي نفسُها شرعية ويجب على كل مسلمٍ أن يعتقدَها…….
وأما تكفيرُ من لا يستحقُّ سوى التبديع فمثل تصريحهم في أغلب كتبهم بتكفير مَنْ قال: إنَّ الله جسمٌ لا كالأجسام. وهذا ليس بكافر بل هو ضالٌّ مبتدع لأنه أتى بلفظٍ لم يرد به الشرعُ. والأشاعرةُ تستعملُ ما هو مثلُهُ وشَرٌّ منه. وأما تكفيرُ من لا يستحق حتى مجرد الفسق أو المعصية فكما مرّ في الفقرة السابقة من تكفيرهم من قال: إن النار علّة الإحراق والطعام علّة الشبع.
وأما التكفيرُ بما هو حقٌّ في نفسِهِ يجبُ اعتقادُه فنحو تكفيرهم لمن يثبتُ علوَّ الله، ومن لم يؤمنْ بالله على طريقةَ أهل الكلام، وكقولهم: إن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر، وكقولهم: إن عبادة الأصنام فرع من مذهب المشبهة، ويعنون بهم أهل السنة والجماعة}
أقول: المقرر عند الأشاعرة –وهو مذهب الجمهور الأعظم منهم- أنه إنما يكفر من أنكر مجمعاً عليه معلوماً من الدين بالضرورة. قال القاضي عضد الدين الإيجي: (المقصد الثالث في الكفر وهو خلاف الإيمان، فهو عندنا عدم تصديق الرسول في بعض ما علم مجيئه به ضرورة) وقال: (المقصد الخامس في أن المخالف للحق من أهل القبلة هل يكفر أم لا؟ جمهور المتكلمين والفقهاء على أنه لا يكفر أحدٌ من أهل القبلة)[1] وقال شارح “المواقف” السيد الشريف الجرجاني عقب هذا الكلام: «فإن الشيخ أبا الحسن قال في أول كتابه مقالات الإسلاميين: اختلف المسلمون بعد نبيهم في أشياء ضلل بعضهم بعضا، وتبرأ بعضهم عن بعض، فصاروا فرقا متباينين، إلا أن الإسلام يجمعهم ويعمهم. ثم قال السيد: فهذا مذهبه، وعليه أكثر أصحابنا».[2]
وقال ابن أبي شريف في “المسامرة” شرح “المسايرة” لابن الهمام: «قال النووي في “الروضة”: ليس تكفير جاحدِ المجمعِ عليه على إطلاقه، بل من جحد مجمعاً عليه فيه نص وهو من الأمور الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة وتحريم الخمر ونحوهما، فهو كافر ومن جحد مجمعاً عليه لا يعرفه إلا الخواص كاستحقاق بنت الإبن السدس مع بنت الصلب، ونحوه فليس بكافر.
وقال ابن دقيق العيد في “شرح العمدة” أول كتاب القصاص: أطلق بعضهم أن مخالف الإجماع يكفر. والحق أن المسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الخَمْس، وقد لا يصحبها، فالأول يكفر جاحده لمخالفته التواتر لا لمخالفة الإجماع».[3]
68- أخطاء الدكتور في مسألة التكفير:
هذا كلام هؤلاء الأساطين من أئمة الأشاعرة في مسألة التكفير، وبعد هذا نعود إلى كلام الدكتور لنبين كم حواه من أخطاء، فنقول:
الخطأ الأول: قوله: (التكفير عند أهل السنة والجماعة حق الله تعالى) سياق هذا الكلام يقتضى أن مراد الدكتور أن التكفير عند الأشاعرة –الذين جعلهم الدكتور مقابلين لأهل السنة- ليس بحق الله، فماذا يقصد الدكتور بقوله: (التكفير… حق الله) هل يقصد أنه حق لله تعالى، ولا يجوز لأحد من علماء الأمة أن يتدخل فيه ويحكم بكفر أحدٍ من الناس، وهذا خطأ محض. أم يقصد أنه حق الله تعالى، ولا يجوز لأحد من علماء الأمة أن يخالف الله فيه، فهذا ما لا يخالف فيه أحدٌ من فرق المسلمين، إن كانت المخالفة قصدية، أو كانت في ما لا مجال للاجتهاد فيه، وأما إذا كانت المسألة اجتهادية فاجتهد المجتهد فحكم بكفر فريقٍ من الناس لكنه أخطأ في اجتهاده هذا، فقد خالف حكم الله في المسألة، ومع ذلك لا يقال: لا تجوز له هذه المخالفة، بل هو مأجور على اجتهاده فلا وجه لنسبة هذا القول لأهل السنة الذين قصدهم، والإشارةِ بذلك إلى أن الأشاعرة يخالفون فيه! ثم مَن مِن أهل السنة عبَّرَ بهذا التعبير غير المحرر؟!
نعم من عادة الدكتور أن ينسب ما يهواه إلى أهل السنة والجماعة!
الخطأ الثاني: قوله: (لا يطلق إلا على من يستحقه شرعا، ولا تردد في إطلاقه على من ثبت كفره بشروطه الشرعية)
أقول: هذا كلام مجمل لم يخالف فيه -على إجماله- أحد من الفرق الإسلامية، والدكتور قد ساقه على أنه مذهب أهل السنة الذين قصدهم، وأن غيرهم من الفرق مخالفون فيه، ثم هلا بين الدكتور الشروط الشرعية للتكفير عنده، أو عند أهل السنة الذين قصدهم، حتى نعلم هل هي صحيحة أم لا، وهل هي موافقة لمذهب الأشاعرة أم مخالفة له.
الخطأ الثالث: قوله: (أما الأشاعرة فهم مضطربون اضطراباً كبيرا) قد علمت مذهب الجمهور الأعظم من الأشاعرة في المسألة، وأنه هو المذهب الذي تقرر عندهم، فلا اضطراب عندهم فضلا عن أن يكون كبيرا. نعم هناك خلاف من بعضهم، وهو أمر طبيعي، ولا يصح أن يطلق عليه اسم الاضطراب.
الخطأ الرابع: قوله: (فتارة يقولون: نحن لا نكفر أحدا) قد نسب الدكتور هذا القول إلى الأشاعرة كلهم حيث قال: (يقولون) مع أنه ليس قولاً لأحدٍ منهم، وهلا بين الدكتور قائل ذلك، وهل لا يكفر الأشاعرة الملاحدة واليهود والنصاري؟! والذي لا يكفرهم كافر، فلماذا لا يحكم الدكتور بكفر الأشاعرة إذاً، أو من قال منهم هذا القول؟!
الخطأ الخامس: قوله: (وتارة يقولون: نحن لا نكفر إلا من كفرنا) هذا قول للأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني فقط من الأشاعرة، وهو قول غير مقبول عند غيره منهم، وليس هو قولاً للأشاعرة كلهم كما قال الدكتور: (يقولون)
الخطأ السادس: قوله: (وأما تكفير من لا يستحق سوى التبديع فمثل تصريحهم في أغلب كتبهم بتكفير من قال: إن الله جسم لا كالأجسام)
أقول: لم يكفر الأشاعرة قائل هذا القول، وإنما خَطَّئُوه وأَثَّمُوه من أجل إطلاقه على الله تعالى ما لا يجوز إطلاقه عليه لا على مذهب التوقيف، ولا على مذهب الاشتقاق، لعدم التوقيف فيه، ولإيهامه معنى لا يجوز على الله تعالى. قال ابن الهمام: (الأصل الخامس: أنه تعالى ليس بجسم… فإن سماه أحدٌ جسما وقال: لا كالأجسام يعنى في نفي لوازم الجسمية، فإنما خطئوه في إطلاق الاسم… فمن أطلقه فهو عاص)[4] وقال القاضي عضد الدين الإيجي: (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة إلا بما فيه نفي الصانع القادر المختار العليم، أو بما فيه شرك، أو إنكار النبوة، أو إنكار ما علم مجيء محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم به ضرورة، أو إنكار أمر مجمع عليه قطعا، أو استحلال المحرمات، وأما غير ذلك فالقائل به مبتدع وليس بكافر. ومنه التجسيم) وقال الشارح جلال الدين الدواني: (التجسيم مع البلكفة غير مكفر، بخلاف التجسيم مع غير البلكفة)[5] ومعنى البلكفة أن يقول القائل: جسم بلا كيف، أي لا كالأجسام.
الخطأ السابع: قوله: (وأما تكفير من لا يستحق حتى مجرد الفسق أو المعصية فكما مر في الفقرة السابقة من تكفيرهم من قال: إن النار علة الإحراق، والطعام علة الشبع)
أقول: الأشاعرة لم يكفروا من قال: إن النار علة عادية أو سبب عادي للإحراق، بل هم قائلون بذلك، وإنما يكفرون من قال: إن النار علة حقيقية للإحراق بمعنى أن النار تحرق بطبعها لا يستطيع الله تعالى سلب وصف الإحراق عنها كما هو مذهب الفلاسفة، ولعل الدكتور لا يخالف الأشاعرة في هذا. فإن فيه إثبات التأثير الحقيقي لغير الله تعالى، كما أنه يقتضي تحديد قدرة الله تعالى.
الخطأ الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر: قوله: (وأما التكفير بما هو حق في نفسه، يجب اعتقاده، فنحو تكفيرهم لمن يثبت العلو، ومن لا يؤمن بالله على طريقة أهل الكلام، وقولهم: إن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر، وقولهم: إن عبادة الأصنام فرع من مذهب المشبهة، ويعنون بهم أهل السنة والجماعة)
فأقول أولا: إن الأشاعرة يثبتون العلو لله تعالى بالمعنى الذي أراده، أو بمعنى علو المكانة، لا بمعنى علو المكان والجهة، ثم إنهم مع نفيهم عن الله تعالى علو المكان والجهة لا يكفرون القائلين بالجهة، بل يكفرون المجسمة إذا قالوا: جسم كالأجسام، وأظن أن الدكتور لا يخالفهم في هذا.
وثانيا: إن أحدا من الأشاعرة لم يكفر من لم يؤمن بالله على طريقة أهل الكلام فضلا عن أن يكفره كلهم كما يفيده كلام الدكتور، وهلا ذكر الدكتور من كفره منهم ونقل كلامه؟! بل الأشاعرة مجمعون على صحة إيمان المقلد غير المستدل، والذين قالوا بوجوب الاستدلال لم يعدوا الاستدلال شرطا لصحة الإيمان، بل أرادوا أن غير المستدل آثم، ولم يشترط أحد منهم أن يكون الاستدلال على طريقة علماء الكلام، بل قالوا بكفاية الدليل الإجمالي الذي ينقدح في القلب، ولم يستطع صاحبه تقريره، وقد مر بيان هذه المسألة.
وثالثا: إنهم لم يقولوا: إن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر، بل قالوا: إن الأخذ بظواهر بعض النصوص من أصول الكفر وكم من فرق بين التعبيرين. وقد تكلمنا على هذا فيما تقدم بما فيه الكفاية.
ورابعا: إن قول الأشاعرة بل قول بعضهم: إن عبادة الأصنام فرع من مذهب المشبهة، قصدوا بالمشبهة المجسمة القائلون: إنه تعالى جسم كالأجسام، وأثبتوا له لوازم الجسمية فالقائل بهذا إنما يعبد صنما، ولا يعبد الله الذي ليس كمثله شيء، ولعل الدكتور يوافق الأشاعرة على هذا، ويوافقهم عليه من عناهم الدكتور بأهل السنة والجماعة.
قال الدكتور: الرابع عشر: الصحابة والإمامة:
من خلال استعراضي لأكثر أمهات كتب الأشاعرة وجدت أن موضوع الصحابة هو الموضوع الوحيد الذي يتفقون فيه مع أهل السنة والجماعة، وقريب منه موضوع الإمامة، ولا يعنى هذا الاتفاق التام، بل هم يخالفون في تفصيلات كثيرة}
أقول: نعم قد نظر الدكتور في مجموعة كبيرة من كتب الأشاعرة نظرات، ولكنه -للأسف الشديد– لم يفهم كلامهم، لأنه لم يدرس شيئا من هذه الكتب على أحد من العارفين بمذهب الأشاعرة، وكلامهم دقيق يعلو عن فهمه، فمن أجل ذلك تورط في مئات الأخطاء الجسيمة في هذه الصفحات المعدودة من هذا الكتيب.
وكم من عائب قولا صحيحا :: وآفته من الفهم السقيم
ثم إن الدكتور لم يذكر شيئا من التفصيلات التي خالف فيها الأشاعرة من سماههم بأهل السنة حتى يتبين صدقه فيما ادعاه!! وحتى يتسنى لنا الكلام عليها كما تكلمنا على دعاويه المتقدمة.
قال الدكتور: {الخامس عشر الصفات:
والحديث عنها يطول، وتناقضهم وتحكمهم فيها أشهر وأكثر، وكل مذهبهم في الصفات مركب من بدع سابقة، وأضافوا إليها بدعا أحدثوها، فأصبح غاية في التلفيق المتنافر}
أقول: من أسهل الأمور اكتيال التهم للمخالفين، وأما إثباتها والإتيان بالبينة عليها فمن الصعوبة بمكان. وهلا ذكر الدكتور مثالاً واحداً لإثبات ما ادعاه من التناقض والتلفيق والتنافر. ولو أعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء أقوام وأموالهم، ولكن البينة على المدعي.
وقد تكلمنا على مسألة الصفات فيما تقدم بما فيه الكفاية.
69- دعوى الدكتور أن مذهب الأشاعرة متناقض:
ثم قال الدكتور: {هل بقي شك؟
بعد هذه المخالفات المنهجية في أبواب العقيدة كلها، وبعد هذا التميز الفكري الواضح لمذهب الأشاعرة إضافة إلى التميز التاريخي، هل بقي شك في خروجهم عن مذهب أهل السنة والجماعة الذي هو مذهب السلف الصالح}
أقول: ليس التسنن وعدمه بالدعاوي، ولا بكيل التهم للمخالفين، بل التسنن إنما هو بموافقته سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وعدم موافقتها
وكل يدَّعِى وصلاً بليلى :: وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا
ومن أجل معرفة مدى موافقة مذهب الأشاعرة لسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ولما كان عليه السلف الصالح، أدعو طالب معرفة ذلك إلى قراءة تعليقاتنا هذه، ودراستها بإنصاف وحياد وتمعن.
[1] المواقف 388-392.
[2] شرح المواقف 8/339.
[3] المسامرة 318.
[4] المسايرة مع شرحها المسامرة 29.
[5] شرح العقائد العضدية للجلال الدواني 2/291-293.