نماذج من التأويل ، بيان أن ابن الجوزي والنووي والحافظ العسقلاني موافقون للأشاعرة
21-نماذج من التأويل
أقول: أما نقده لابن فورك في تأويلاته، فلا شبهة أن الكثير من متأخري الأشاعرة، قد غلوا في التأويل، ووافقوا المعتزلة في كثير من التأويلات، التي انتقدها عليهم السلف وعدوها من بدعهم.
وأما ذم التأويل مطلقا فلا ينبغي أن يصدر من فاضل، ولم يستطع التخلص منه حتى السلف فاضطروا إلى تأويل جملة من النصوص، وإليك نماذج منها:
أوَّل ابن عباس رضي الله عنه الساق في قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق) بالشدة، نقله الحافظ في فتح الباري (13/ 428) وقال الطبري في التفسير( 29/ 38) قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد.
وأوَّل ابن عباس أيضا الأيدي في قوله تعالى:” والسماء بنيناها بأيد” بالقوة، ذكره الطبري (7/27) والأيدي جمع يد.
وأوَّل الإمام أحمد قوله تعالى: (وجاء ربك) بمجيء ثوابه، نقله ابن كثير في البداية والنهاية عن الإمام البيهقي في مناقب الإمام أحمد، وأورد سند البيهقي له، ثم قال: قال البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه.
وأوَّل الإمام أحمد قوله تعالى: “ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث” فقال: يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث نقله ابن كثير في البداية والنهاية[1].
وأوَّل البخاري الضحك الوارد في بعض الأحاديث بالرحمة، ونقل عنه البيهقي في الأسماء والصفات[2].
وإذا منعنا التأويل مطلقا فماذا نقول في قوله تعالى ” بيده الملك” والملك بالضم هو السلطنة والسلطنة أمر معنوي لا يمسك باليد ولا يلتصق بها، وليس الكلام مسوقاً لإثبات اليد لله تعالى، بل الكلام مسوق لإثبات الملوكية والسلطنة لله، فالكلام بجملته كناية عنها.
وماذا نقول في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:” قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن” فهل لله تعالى إصبعان في داخل كل إنسان مكتنفان قلبه؟ وإنما الكلام كناية عن كون قلب الإنسان طوع إرادته، تعالى وقدرته يقلبه كيف يشاء.
وماذا نقول في قوله تعالى” إنا نسيناكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا: وقوله صلى الله عليه وسلم: ” كنت يده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها”.
ونكتفي بهذه النماذج فإن المقصود التمثيل لا الاستقصاء. وسنبسط الكلام على التأويل فيما سيأتي.
وأما الاحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة فسيأتي تحقيقه قريبا
22- بيان أن ابن الجوزي والنووي والحافظ العسقلاني موافقون للأشاعرة
قال الدكتور: {وقد كان من الحنابلة من ذهب إلى أبعد من هذا كابن الجوزي وابن عقيل وابن الزاغوني.
ومع ذلك فهؤلاء كانوا أعداء ألداء للأشاعرة، ولا يجوز بحال أن يعتبروا أشاعرة فما بالك بأولئك}
أقول: الإمام ابن الجوزي موافق للأشاعرة في العقيدة، وأقوى دليل على ذلك كتابه “دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه” وليت شعري متى عادى الأشاعرة ولماذا؟
قال الدكتور: {وكثيرا ما نجد في كتب الجرح والتعديل –ومنها لسان الميزان للحافظ ابن حجر- قولهم عن الرجل: إنه وافق المعتزلة في أشياء من مصنفاته، أو وافق الخوارج في بعض أقوالهم وهكذا، ومع هذا لا يعتبرونه معتزليا أو خارجيا. وهذا المنهج إذا طبقناه على الحافظ وعلى النووي وأمثالهما لم يصح اعتبارهم أشاعرة وإنما يقال: وافقوا الأشاعرة في أشياء. مع ضرورة بيان هذه الأشياء واستدراكها عليهم حتى يمكن الاستفادة من كتبهم بلا توجس في موضوعات العقيدة}
أقول: الحقيقة التي لا تقبل المراء أن الإمام النووي والإمام الحافظ ابن حجر في عامة أحوالهما أشعريان، ولكنهما إمامان مجتهدان قد يخالفان الأشاعرة في بعض المسائل الاجتهادية المتعلقة بالعقيدة، لا في أصل العقيدة، ولا يخرجان بذلك عن أن يكونا أشعريين، وقد قدمنا الكلام على ابن حجر.
وأما النووي فكتبه المباركة التي وضع الله لها القبول شاهدة على ذلك، وأظن أن الذين يريدون أن يخرجوه من الأشعرية لا يصدقون ذلك في قرار نفوسهم، ومثله في ذلك الحافظ العسقلاني، فالنووي يقرر دائما أن في الصفات الخبرية مذهبين، وقد أكثر من هذا التقرير في شرح مسلم، وهذا ما دعا بعض المعارضين لاتجاه النووي الأشعري أن كتب هذا الشرح وحذف منه ما تكلم به النووي على أحاديث الصفات. قاله تاج الدين السبكي في الطبقات الكبرى:[3]
والنووي رحمه الله يقول في كتبه: قال أصحابنا المتكلمون كذا، ويكرر هذا التعبير فيها. ويقصد بهم الأشاعرة. فالنووي يعد نفسه من الأشاعرة، وأما الدكتور سفر فيحاول إخراجه منهم!!!
[1] 10/327
[2] 470
[3] 2/ 19.