أطلَّت على سحب الظلام
أطلّت على سُحبِ الظلامِ ذُكاءُ وفُجِّرَ من صخرِ التنُوفة ِ مَاءُ
وخُبّرت الأوثانُ أنَّ زمانَها تولى ّ وراحَ الجهلُ والجهلاءُ
فما سجدت إلاّ لذي العرشِ جبهة ٌ ولم يَرتفعْ إلاّ إليه دُعَاءُ
تبسم ثغرُ الصبحِ عن مولدِ الهُدى فللأرضِ إشراقٌ به وزُهاءُ
وعادت به الصحراءُ وهي جديبة عليها من الدينِ الجديد رُوَاءُ
ونافست الأرضُ السماءَ بكوكبٍ وضِيء المحّيا ما حَوَتْه سماءُ
له الحق والإيمانُ باللّه هالة وفي كلِّ أجواءِ العقولِ فَضاءُ
تألّق في الدنيا يُزيح ظلامَها فزال عمى ً من حولهِ وعَماءُ
وردّ إلى العُرْب الحَياة وقد مضى عليهم زمانٌ والأمامُ وراءُ
حجابٌ طوى الأحدَاثَ والناس دونهم فأظهر ما تجلو العيون خَفاءُ
بنت أممٌ صرحَ الحضارة ِ حولهم وأقْنعهم إبلٌ لهم وحُداءُ
عُقولٌ من الأحجارِ هامت بمثلها وكل بَكيمٍ للبكيمِ كِفاءُ
فكم كان للرومانِ والفرسِ صولة ً وهمْ في بوادي أرضهم سُجناءُ
عِرَاكُ وأحقادٌ يشبّ أوارها جحيماً وكِبرٌ أجْوَفٌ وغَباءُ
عجبتُ لأمرِ القومِ يحمونَ ناقة ً وساداتهم من أجْلِها قُتلاءُ
بدا في دُجى الصحراء نورُ محمدٍ وجلجلَ في الصحراء منهُ نِداءُ
نبيُ به ازدانت أباطِحُ مكة ٍ وعزَّ بهِ ثَوْرٌ وتاه حِرَاءُ
يُنادي جريء الأصغريْن بدعوة ٍ أكبَّ لها الأصنامُ والزُعماءُ
دعاهم لربٍ واحدٍ جلَّ شأنه له الأمرُ يولى الأمرَ كيف يَشاءُ
دعاهم إلى دينٍ من النورِ والهُدى َ سَماحٌ ورفقٌ شاملٌ ووفَاءُ
دعاهم إلى نبِذ الفخارِ وأنهم أمامَ إله العالمينَ سَواءُ
دعاهم إلى أن ينهضوابِعُفاتهم كِراماًفطاحَ الفقرُ والفقراءُ
دعاهم إلى أن يفتحوا القلبَ كي ترى بصيرتُه ما يُبصر البُصراءُ
دعاهم إلى القرآنِ نوراً وحكمة ً وفيه لأدواءِ الصدورِ شِفاءُ
دعاهم إلى أن يهزموا الشركَ طاغياً تسيلُ نفوسٌ حوله ودِماءُ
دعاهم إلى أن يبتَنُوا الملكَ راسخاً له العدلُ أسٌّ والطموحُ بناءُ
دعاهم إلى أن الفَتى صُنعْ نَفْسِهِ وليس له من قومه شُفعاءُ
دعاهم إلى أن يملكوا الأرضَ عُنوة ً مساميحَ لا كِبرٌ ولا خُيلاءُ
فلبّاه من عُليَا مَعدٍ غضافِرٌ كماة ٌ إذا اشْتدَّ الوغَى شُهداءُ
أشِّداء ما باهى الجهادُ بمثلهم وهم بينهم في أمرهِم رُحماءُ
أساءوا إلى الأسيافِ حتى تحّطمت وما مَرّة ً للمستجيرِ أساءوا
وقد حملوا أرواحَهُمْ في أكفِّهم وليس لهم إلاّ الخلود جَزاءُ
إذا حكموا في أمَّة ٍ لان حكمُهم فما هي أنعامٌ ولا هي شَاءُ
فهل تعلم الصحراء أنَّ رعاءَها حُماة ٌ بآفاق البلاد رُعَاءُ
وأنهمُ إن زاولوا الحكمَ سَاسة ٌ وإن أرسلوا أَحكَامهم فُقهاءُ
لقد شربوا من منهل الدين نُغبة ً مطهرة ً فالظامئون رِوَاءُ
وقد لمحوا من نور طه شُعاعة ً فكل ظلامٍ في الوجودضِياءُ
نبيٌّ من الطُهرِ المصفّى نجاره سماحة نفسٍ حُرّة ٍ وصَفاءُ
وصبرٌ على اللأواءِ ما لانَ عُودهُ ولا مَسَهُ في المعضلاتِ عَناءُ
وزهدٌ له الدنيا جناح بعوضة وكل الذي تحت الهباءِ هَباءُ
تراه لدى المحراب نُسكاً وخشية ً وتلقاه في الميدانِ وهو مَضَاءُ
إذ صالَ لم يترك مَصالاً لصائل وإن قَال ألقت سمعَها البُلغَاءُ
كلامٌ من اللّه المهيمن روحُه ومن حلل الفُصحى عليه رداءُ
كلامٌ أرادته المقاويلُ فالتوى عليها وضلَّت طُرقَه الحُكماءُ
كلامٌ هو السحرُ المُبين وإن يكن له ألفُ مثل الكلام وَبَاءُ
عجيبٌ من الأميِّ علمُ وحكمة ٌ تضاءَل عن مرماهِمَا العُلماءُ
ومن يَصطفِ الرحمن فالكون عبده ودُهم الليالي أينَ سارَ إماءُ
نبي الهدى قد حرَّق الأنفسَ الصدَى ونحن لفيضٍ من يديك ظِمَاءُ
أفِضْها علينا نفحَة ً هاشمية ً يُلَمُّ بها جُرحُ ويبرأُ دَاءُ
فليس لنا إلاّ رِضَاكَ وسيلة ٌ وليس لنا إلاّ حِمَاكَ رَجاءُ
حننا إلى مجدِ العروبة ِ سامقاً وما نحنُ في ساحاتِه غُرباءُ
زمان لواء العُربِ يُزهى بقومه وما طالَه في العالمين لِواءُ
زمان لنا فوق الممالكِ دولة ٌ وفي الدهر حكمٌ نافِذٌ وقضاء
فيا رب هيىء الرشادِ سبيلَنَا إذا جَار خَطبٌ أو ألمّ بَلاءُ
ونصراً وهدياً إن طغى السيلُ جارفاً وفاضَ بما يحوى الإناء إنَاءُ
نناجيكَ هذي راية العُربِ فاحمها فمن حولها أجنادُكَ البُسَلاءُ
رميْنا بكفٍّ أنت سدّدت رميها فما طاشَ سهمٌ أو أخلّ رِمَاءُ
أعِرْنَا بحق المصطفَى منك قوّة ٌ فليس لغيرِ الأقوياء بَقاءُ
وأسبغْ علينا درعَ لطْفِك إنّها لنا في قتامِ الحادثاتِ وِقاءُ
إليك أبا الزهراء سارت مواكبي مواكبُ شعرٍ ساقهن حَياءُ
وأَنى َّ لمثلي أنْ يُصوّر لمحة ً كَبَادُون أدنى وصفها الشُّعراءُ
ولكنها جهدُ المحبِ فهل لها بقُدسِك من حظ القبولِ لِقاءُ
ولي نسبٌ يُنمى لبيتكَ صانني وصانته منيِّ عِزّة ُ وإباءُ
عليك سلامُ اللّهِ ماذَرّ شارِقُ وما عطَّر الدنيا عليكَ ثناء
نبذة عن الشاعر
أديب وشاعر وكاتب هو علي بن صالح بن عبد الفتاح الجارم ولد عام 1881 في مدينة (رشيد) في مصر. بدأ تعليمه القراءة والكتابة في إحدى مدارسها ثم أكمل تعليمه الثانوي في القاهرة, بعدها سافر إلى إنكلترا لإكمال دراسته ثم عاد إلى مصر حيث كان محباً لها كما دفعه شعوره القومي إلى العمل بقوة وإخلاص لوطنه, وقد شغل عدداً من الوظائف ذات الطابع التربوي والتعليمي, فعين بمنصب كبير مفتشي اللغة العربية ثم عين وكيلاً لدار العلوم وبقي فيها حتى عام 1924, كما اختير عضواً في مجمع اللغة العربية, وقد شارك في كثير من المؤتمرات العلمية والثقافية.
زار بغداد مرتين: الأولى مشاركته في الحفل التأبيني الذي أقيم للشاعر المرحوم جميل صدقي الزهاوي عام 1936 أما الثانية فهي التي نظم فيها قصيدته المشهورة (بغداد يا بلد الرشيد) وقد برع في الشعر التقليدي فأخرح ديواناً بأربعة أجزاء ضم عدداً من القصائد السياسية والأدبية والاجتماعية, أما في التاريخ والأدب فألف مجموعة من الكتب منها (الذين قتلتهم أشعارهم) و(مرح الوليد) تضمن السيرة الكاملة للوليد بن يزيد الأموي, و(الشاعر الطموح) تضمن دراسة عن حياة وشخصية الشاعر الكبير أبي الطيب المتنبي كما وألف عدداً من الروايات التاريخية: (فارس بني حمدان) و (غادة رشيد) و(هاتف من الأندلس) بالإضافة إلى عدد من المؤلفات (شاعر وملك) و(قصة ولادة مع ابن زيدون) و(نهاية المتنبي) كما قام بترجمة (قصة العرب في إسبانيا) للكاتب (ستانلي لين بول) من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية. وبالإضافة إلى تأليفه لمجموعة من الكتب الأدبية والاجتماعية فقد قام بتأليف عدد من الكتب المدرسية في النحو منها (النحو الواضح) الذي كان يدرس في المدارس المتوسطة والثانوية في العراق. وفي عام 1949 عندما كان يصغي إلى أحد أبنائه وهو يلقي قصيدة في الحفل التأبيني لمحمود فهمي النقراشي فاجأه أن سكت قلبه ففاضت روحه إلى بارئها عام 1949 رحمه الله.