هو المختار صلّى الله عليه وسلّم
مـن نبـع هديـك تستقـي الأنـوار *** وإلـى ضيائـك تنتمـي الأقـمـار
رب العبـاد حبـاك أعظـم نعـمـة *** ديـنـا يـعـزُّ بـعـزَّه الأخـيـار
حفظت بك الأخـلاق بعـد ضياعهـا *** وتسامقت في روضهـا الأشجـار
وبُعثـت للثقلـيـن بعـثـة سـيـدٍ *** صدقـتْ بـه وبديـنـه الأخـبـار
أصغت إليك الجـن وانبهـرت بمـا *** تتلـو، وعَـمَّ قلوبهـا استبـشـار
يا خير من وطيءَ الثـرى وتشرفـت *** بمسـيـره الكثـبـان والأحـجـار
يا من تتوق إلـى محاسـن وجهـه *** شمـسٌ ويفْـرَحُ أن يـراه نـهـار
بأبي وأمـي أنـتَ، حيـن تشرَّفـت *** بـك هجـرة وتشـرَّفَ الأنـصـار
أنْشَـأْتَ مدرسـة النبـوة فاستقـى *** مـن علمهـا ويقينـهـا الأبــرار
هـي للعلـوم قديمهـا وحديثـهـا *** ولمنهـج الديـن الحنيـف مـنـار
لله درك مـرشــدا ومـعـلـمـا *** شَرُفَـتْ بــه وبعلـمـه الآثــار
ربَّيْـتَ فيهـا مـن رجالـك ثُـلَّـةً *** بالحـقِّ طافـوا فـي البـلاد وداروا
قـوم إذا دعـت المطامـع أغلقـوا *** فمها، وإن دعـت المكـارم طـاروا
إن واجهـوا ظلمـاً رمـوه بعدلهـم *** وإِذا رأوا ليـل الـضـلال أنــاروا
قـد كنـت قرآنـاً يسيـر أمامهـم *** وبـك اقتـدوا فأضـاءت الأفـكـار
عمروا القلوب كما عَمَرْت، فما مضوا *** إلا وأفـئـدة الـعـبـاد عَـمَــار
لو أطلـق الكـونُ الفسيـحُ لسانـه *** لسـرتْ إليـك بمدحـه الأشـعـار
لو قيل: مَنْ خيرُ العبـادِ، لـردَّدتْ *** أصواتُ مَنْ سمعوا: هـو المختـارُ
لِمَ لا تكون؟ وأنـتَ أفضـلُ مرسـلٍ *** وأعزُّ من رسموا الطريـق وسـاروا
ما أنـت إلا الشمـس يمـلأ نورُهـا *** آفاقَنـا، مهـمـا أُثـيـرَ غـبـار
مـا أنـت إلا أحمـد المحمـود في *** كـل الأمـور، بـذاك يشهـد غـار
يا خير من صلى وصام وخيـر مـن *** قـاد الحجيـج وخيـر مـن يشتـار
سقطـت مكانـة شاتـم، وجـزاؤه *** إن لـم يتـب ممـا جنـاه الـنـار
لكأننـي بخطـاه تـأكـل بعضـهـا *** وهنـاً، وقـد ثَقُلَـتْ بهـا الأوزار
مـا نـال منـك منافـق أو كافـر *** بـل منـه نالـت ذلـة وصَـغَـار
حلّقت في الأفـق البعيـد، فـلا يـدٌ *** وصلـت إليـك، ولا فـمٌ مـهـذار
وسكنت في الفردوس سكنى من بـه *** وبـديـنـه يتـكـفـل الـقـهـار
أعـلاك ربــك هـمـة ومكـانـة *** فلـك السمـو وللحـسـود بــوار
إنــا ليؤلمـنـا تـطـاول كـافـر *** مـلأت مشـارب نفسـه الأقــذار
ويزيدنـا ألـمـاً تـخـاذل أمــةٍ *** يشكـو اندحـار غثائهـا الملـيـار
وقفت على باب الخضـوع، أمامهـا *** وهـن القلـوب، وخلفهـا الكـفـار
يـا ليتهـا صانـت محـارم دارهـا *** مـن قبـل أن يتحـرك الإعصار
يا خير من وطيء الثرى، في عصرنا *** جيـش الرذيلـة والهـوى جــرار
في عصرنا احتدم المحيط ولـم يـزل *** متخبطـا في مـوجـه البـحـار
جمحت عقول الناس، طاش بها الهوى *** ومـن الهـوى تتسـرب الأخـطـار
أنت البشيـر لهـم، وأنـت نذيرهـم *** نعـم البشـارة مـنـك والإنــذار
لكنهـم بهـوى النفـوس تشـربـوا *** فأصابهم غبـش الظنـون وحـاروا
صبغوا الحضـارة بالرذيلـة فالتقـى *** بالذئـب فيهـا الثعـلـب المـكـار
ما (دانمركُ) القوم، ما (نرويجهـم)؟ *** يُصغـي الرعـاة وتفهـم الأبـقـار
ما بالهـم سكتـوا علـى سفهائهـم *** حتـى تمـادى الشـر والأشــرار
عجباً لهـذا الحقـد يجـري مثلمـا *** يجري (صديدٌ) في القلـوب، و(قـار)
يا عصر إلحاد العقـول، لقـد جـرى *** بك فـي طريـق الموبقـات قطـار
قَرُبَت خُطاك مـن النهايـة، فانتبـه *** فلربـمـا تتـحـطـم الأســـوار
إنـي أقـول، وللدمـوع حكـايـةٌ *** عـن مثلهـا تتـحـدث الأمـطـار
إنــا لنعـلـم أن قَــدْر نبيـنـا *** أسمـى، وأن الشانئيـن صـغـار
لكـنـه ألــم المـحـب يـزيـده *** شرفـاً، وفيـه لمـن يُحـب فخـار
يُشقي غُفاةَ القـومِ مـوتُ قلوبهـم *** ويـذوق طعـم الراحـة الأغـيـار