المسح على الجورب في الوقت المعاصر
المسح على الجورب في الوقت المعاصر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على أشرف الأنبياء وسيد الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه الغر الميامين أما بعد :
فقد انتشر بين الناس جواز المسح على الجوارب الخفيفة المصنوعة من الخرق وكذا الشفافة
ونسب بعضهم ذلك إلى مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ بل بالغ بعضهم حتى نسب هذا القول إلى الصحابة والتابعين .!
فأحببت أن أبين مذهب الحنابلة في هذه المسألة عسى أن يستفيد منه من أراد الفائدة والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
تعريف الجورب
جاء في تاج العروس ما نصه: والجورب كجعفر : لفافة الرجل معرب وهو بالفارسية كورب وأصله كوربا معناه : قبر الرجل قاله ابن إياز عن كتاب المطارحة كما نقله شيخنا عن شفاء الغليل للخفاجي ومثله لابن سيده .
وقال أبو بكر بن العربي : الجورب : غشاءان للقدم من صوف يتخذ للدفء
وكذا في المصباح جواربة زادوا الهاء لمكان العجمة ونظيره من العربية : القشاعمة وقد قالوا جوارب كما قالوا في جميع الكيلج كيالج ونظيره من العربية الكواكب . انتهى.
وقال الزركشي : هو غشاء مصنوع من صوف يتخذ للدفء قاله في شرحه على مختصر الخرقي.
وقد سبق أن ابن العربي قد فسره بذلك.
شرح التعريف
غشاء: الغشاء بمعنى الغطاء لأنه يغطي المكان الذي تحته.
صوف: الصوف هو الفرو الذي يغطي جسم الأغنام ونحوها.
قال الزبيدي في تاج العروس شرح القاموس: الصوف بالضم : معروف قال ابن سيده : الصوف للغنم كالشعر للمعز، والوبر للإبل والجمع أصواف. وقال أيضاً: قال الجوهري : الصوف للشاة وبها أخص. انتهى
وعرَّفه الإمام ابن النجار الحنبلي في معونة أولى النهى بتعريف محتمل فقال :
ولعله اسم لكل ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد .1/ 294 فيدخل في ذلك ما صنع من الكتان والصوف والخرق.أ هـ على تفصيل يأتي في الشروط.
أنواع الجوارب
الجوارب على أنواع:
النوع الأول:
المصنوع من الصوف . وقد بينت معنى الصوف في شرح التعريف.وكذا اللبود فإنه من الصوف
لأن اللبود جمع لبد : وهو صوف يندف ثم يبل ويوطأ بالرجل حتى يتلبد بعضه على بعض ويشتد. كما ذكر ذلك في النظم المستعذب 1/31)
النوع الثاني:
المصنوع من الخرق، ثم إن الجورب قد يكون منعلاً أو مجلداً فالمنعل، أن يجعل في أسفل الجورب قطعة من جلد، والمجلد :يجعل قطعة من الجلد من أسفله وقطعة جلد تغطيه من أعلاه.
حكم المسح على الجورب في مذهب الحنابلة
1ـ يجوز المسح على الجوربين إن كانا منعلين أو مجلدين بدون خلاف في المذهب وهو موافق لمذهب جمهور الفقهاء . وسبق بيان معنى المنعل والمجلد.
2ـ ويجوز المسح على الجورب الثخين المصنوع من الصوف أي من الفرو وهو مذهب الحنابلة وقول للحنفية ذهب إليه الصاحبان أبو يوسف ومحمد ذكر ذلك ابن عابدين في حاشيته 1/ 501 عند شرحه لقول الحصكفي والمنعلين ..والمجلدين .
ومنشأ الخلاف بين الإمام أبي حنيفة والصاحبين أنهما يكتفيان بمجرد الثخانة وأما الإمام فلا يكتفي بذلك بل يشترط أن يكونا منعلين أو مجلدين.وانظر لحاشية ابن عابدين 1/105فقد نقله عن (حاشية علي جلبي على صدر الشريعة) .فهما موافقان لمذهب الحنابلة في هذه النقطة بخلاف ما يأتي .
وقال الإمام الكاساني في بدائع الصنائع : وأما المسح على الجوربين فإن كانا مجلدين أو منعلين يجزيه بلا خلاف عند أصحابنا ، وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين فإن كانا رقيقين يشفان الماء لا يجوز المسح عليهما بالإجماع وإن كانا ثخينين لا يجوز عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد يجوز. انتهى .
3ـ أما الجورب المصنوع من الخرق: فلا يجيز المسح عليه جمهور العلماء من المذاهب الأربعة.
وأما الحنابلة رحمهم الله تعالى فاختلفوا في جواز المسح على جورب الخرق على قولين في المذهب.
وقد كره الإمام أحمد جورب الخرق كما هو منصوص روايته، ذكر ذلك جمع من أئمة المذهب منهم الموفق ابن قدامة في كتاب المغني.حيث قال ابن قدامة:وقد سئل أحمد عن جورب الخرق يمسح عليه؟ فكره الخرق .ثم التمس ابن قدامة تعليلاً يفسر به موقف الإمام أحمد ،فقال الموفق : ولعل أحمد كرهها لأن الغالب عليها الخفة, وأنها لا تثبت بأنفسها، فإن كانت مثل جورب الصوف في الصفاقة والثبوت فلا فرق .
ثم ذكر ابن قدامة النقول عن الإمام أحمد في ذلك فقال :
وقد قال أحمد في موضع: لا يجزئه المسح على الجورب حتى يكون جورباً صفيقاً, يقوم قائماً في رجله لا ينكسر مثل الخفين إنما مسح القوم على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة الخف يقوم مقام الخف في رجل الرجل, يذهب فيه الرجل ويجيء.
فعلى هذا وما سبق نقله عن الإمام أحمد نعلم أن منصوص كلام الإمام أحمد كراهة ذلك وهي هنا كراهة تحريم كما هو معلوم من توجيه الموفق، وأن التخريج بالجواز والصحة هو وجه لأصحابه رحمهم الله تعالى ولكن بشروط ذكروها.
ولذا اختلف الحنابلة في جواز المسح على جورب الخرق على قولين:
القول الأول:
عدم جواز المسح على جورب الخرق مطلقاً وهو ما جزم به الفخر ابن تيمية في كتاب التلخيص .نقل ذلك الإمام المرداوي وغيره .وكأن الفخر ابن تيمية أخذ بكلام الإمام أحمد.
القول الثاني:
جواز المسح على جورب الخرق وهو من مفردات المذهب الحنبلي وهذا هو المعتمد في المذهب لكن هذا الجواز مشروط بشروط ذكرها أئمة المذهب وهي كما يلي :
شروط المسح على حوائل القدم وهذا يعم الخف والجورب
الشرط الأول:
أن يكون صفيقاً أي ثقيلاً . وعلى هذا فالجورب الخفيف لا يجوز المسح عليه وهذا بلا نزاع كما قال المرداوي في الإنصاف .
الشرط الثاني:
أن لا يصف القدم لصفائه: وهو قيد يخرج الخف المصنوع من الزجاج وكذا المصنوع من البلاستيك الذي يصف لون البشرة.
تنبيه : الفرق بين ما يصف البشرة لخفته وما يصف البشرة لصفائه: أن الجورب قد يكون خفيفاً لكنه لا يصف لون البشرة وذلك لتغطيته ما تحته، بخلاف الصفاء، فقد يصف لون البشرة لكنه ثقيل صفيق كالزجاج الشفاف، فلا يجوز المسح عليه لا بسبب خفته وإنما بسبب صفائه .
وكذلك فرق بينهما فمن جهة الحكم: فإن الجورب الخفيف لا يجوز المسح عليه بلا نزاع ،بخلاف الذي يصف البشرة لصفائه مع صفاقته وثبوته ففي المذهب قول بجواز المسح عليه ذكره المرداوي في الإنصاف .حيث قال : ومنها ـ أي الشروط ـ أن لا يصف القدم لصفائه فلو وصفه لصفائه لم يصح على الصحيح من المذهب وقيل : يجوز المسح عليه. الإنصاف 1/136
وأما ما يصفها لخفته فلا يجوز المسح عليه بلا نزاع.
ولذا قال الموفق ابن قدامة : أو الجورب خفيفاً يصف القدم أو يسقط منها إذا مشى فعلَّق الإمام المرداوي شارحاً كلام الموفق : لم يجز المسح على هذا بلا نزاع. انتهى من الإنصاف 1/137
تنبيه : الجورب الشفاف لا يجوز المسح عليه لخفته ولصفائه وعدم إمكان المشي به عرفاً ويأتي مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى .
الشرط الثالث:
إمكان المشي فيه مطلقاً حسب العرف وذلك مقدر بما يتردد إليه المسافر في حاجته عرفاً.فقوله :إمكان المشي فيه : قيد يخرج به ما لا يمكن المشي فيه كالضّيق جداً ،والواسع جداً.
وقوله (مطلقاً ) :خلافاً لمن قيد الحكم حيث أن بعض أئمة الحنابلة يشترط كونه معتاداً ليخرج غير المعتاد كالزجاج بأنواعه والخشب ونحوها من الخفاف غير المعتادة .
وكذلك فجوازه بإطلاق خلافاً لمن يشترط عدم نفوذ الماء إليه وقد اشترطه بعض العلماء.
تنبيه : اشترط الحنابلة أن يكون إمكان المشي فيه بقدر ما يتردد إليه المسافر في حاجته وهذا مرده إلى العرف وممن ذكره الإمام ابن حمدان في كتاب الرعاية الكبرى .
وهناك وجه أخر : وهو أن مرده إلى زمن مقدر : فقدروه بإمكان المشي به ثلاثة أيام أو أقل.
انظر الإنصاف 1/136.
قال ابن قدامة في المغني1/374-375ط:التركي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال:
لا يجزئه المسح على الجورب حتى يكون جورباً صفيقاً يقوم قائماً في رجله لا ينكسر مثل الخفين ،إنما مسح القوم على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة الخف يقوم مقام الخف في رجل الرجل يذهب فيه الرجل ويجئ. فتأمل جيداً .
الشرط الرابع:
أن يكون الجورب ساترا لمحل الفرض، ومحل الفرض هو جميع القدم ومنها الكعبين .وهذا قيد يخرج به الملبوس الذي لا يستر محل الفرض كالذي يكون دون الكعبين . فلو ظهر منه شيء وجب الغسل ولم يجز المسح إذ لا يجمع بين البدل والمبدل في محل واحد.
ولو كان الستر بمخرق أو مفتق بشرط أن ينضم بلبسه فلا يشترط في الساتر كونه صحيحاً غير مخرق بل الشرط أن ينضم فيستر .فإن لم ينضم بلبسه ولا غيره لم يصح المسح عليه كبيراً كان الخرق أو صغيراً من محل الخرز أو غيره.
الشرط الخامس:
أن يكون بعد كمال طهارة: لحديث [ قلنا يا رسول الله أيمسح أحدنا على الخفين ؟ قال : نعم إذ أدخلهما وهما طاهرتان ] رواه الحميدي في مسنده وفي الباب غيره وألحق بالخف باقي الحوائل ومنها الجورب فإن لبسه على طهارة بتيمم لم يمسح لأنه لا يرفع الحدث وكذلك إذا غسل رجلاً واحدة ثم أدخلها إياه قبل أن يغسل الأخرى فلا يصح المسح .
الشرط السادس:
و يشترط ثبوته بنفسه أو بنعلين فيمسح عليه إلى خلعهما ما دامت المدة فإن لم يثبت إلا بشده لم يجز المسح عليه لفقد شرطه.
الشرط السابع:
وبشرط إباحته مطلقاً: أي مع الضرورة وعدمها فلا يصح على نحو مغصوب حتى ولو خاف بنزعه سقوط أصابعه من برد لأن المسح رخصة فلا تستباح بالمعصية.لكن لو خاف أن تسقط أصابعه إذا غسل رجله فيكفيه التيمم دفعاً للضرر ولا يصح المسح على الجورب المغصوب لأن الرخصة وهي المسح على الجورب لا تستباح بالمعصية وهي السرقة أو الغصب ، وكذا الجورب المصنوع من الحرير فلا يجوز للرجل أما النساء فيجوز .
فائدة : البديل الشرعي الدافع للضرر موجود ،وقد ذكرته آنفاً ألا وهو التيمم بدل غسل الرجلين.
الشرط الثامن:
ومن الشروط طهارة عينه: أي الممسوح ولو في ضرورة فلا يصح على نجس العين جورب كان أو غيره و من لبس ساتراً نجساً فينتقل إلى التيمم إذا كان هناك ضرر في نزعه للحائل ولا يجوز له المسح.
ومما سبق نستنتج الفوائد التالية
1ـ أن الحنابلة رضي الله عنهم تفردوا بجواز المسح على جورب الخرق.
2ـ أن الحنابلة رحمهم الله تعالى لا يجيزون المسح على جوارب الخرق إلا إذا اكتملت الشروط السابقة.
3ـ أنه لو أختل شرط من شروط جواز المسح على الخرق فلا يجوز المسح عليها ولا يصح.
4ـ أن المسح على الشرابات المعروفة اليوم في عصرنا لا يجوز ولا يصح على مذهب الحنابلة وغيره من المذاهب إلا إذا اكتملت شروط المسح وهي لم تكتمل .
وهذا سرد للموانع التي تمنع المسح على الشربات المعاصرة
المانع الأول:
أنها خفيفة وهذا يخل بشرط الصفاقة .قال الإمام الترمذي في سننه ( في باب المسح على الجوربين والنعلين ) ما مثاله : وهو ( أي المسح على الجوربين ) قول غير واحد من أهل العلم ، وبه يقول سفيان الثوري ، وابن المبارك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، قالوا : يمسح على الجوربين وإن لم يكونا منعلين ، إذا كانا ثخينين . أهـ
فتأمل في اشتراطه كونهما ثخينين .
المانع الثاني:
أنه لا يمكن متابعة المشي فيها مطلقاً وإنما يمكن ذلك في أمكان محدودة كالمنازل المفروشة أما السير بها في الطرق العادية فلا يمكن إلا بلبس خف أو نعل فضلاً عن الطرق الوعرة .. والحنابلة اشترطوا لجواز المسح عليها أن يمكن المشي بها مطلقاً و حددوا ذلك بالعرف وضبطوه العرف بما يتجول إليه المسافر في سفره .
ولذا تجد اشتراط إمكان المتابعة عرفاً كما قال الموفق : أو الجورب خفيفاً يصف القدم أو يسقط منها إذا مشى فعلق الإمام المرداوي : قائلاً : لم يجز المسح على هذا بلا نزاع.
نتهى من الإنصاف 1/137
فلا يمكن متابعة المشي به عرفاً في الجورب المعاصر .قال الإمام أحمد : إنما مسح القوم على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة الخف يقوم مقام الخف في رجل الرجل يذهب فيه الرجل ويجئ.
انتهى من المغني 3/ 375
مع العلم أن اشتراط إمكان المشي به مطلقاً…هو أخف شروط الحنابلة وإلا فإن منهم من اشترط أن يكون معتاداً ومنهم من اشترط أن يمنع نفوذ الماء. ولكن اقتصرت على القول الذي اعتمدوه في مذهبهم .
نصيحة أخيرة
كلَّ ما ذكر بعاليه يبّين بجلاء أنه لا قائل بجواز المسح على جورب الخرق الخفيفة ولا قائل بجواز المسح على الشفافة ،من علماء المذاهب المعتمدة ،وأنه لا يوجد من جوارب اليوم ما تنطبق عليه شروط ورثة الأنبياء إلا نادراً لا يعرف.
وعلى هذا فأنصح طلبة العلم أن يتقوا الله تعالى وأن ينصفوا من أنفسهم ولا يشيعوا الفتاوى التي خرقت مواطن الإجماع لأن كل قول خالف أقوال متقدمي الأمة فلا حاجة إلى إشاعته والأخذ به، وخصوصاً إذا كان لم يسبق إليه ،
وكم من الناس يأتي بأقوال لم يسبق إليها بتعليلات متعجلة في مسائل قد فرغ منها فحول الأئمة من أهل السنة رحمهم الله تعالى، فهل يتحمل في ذمته القول في دين الله تعالى بما يخالف من سبقه من علماء الأمة؟!
لا أظن بهم ذلك ولكن إن أخطأ فكل ابن آدم خطاء وأعظم الخطأ الإصرار على المخالفة بعد أن يتبين له لحق فنسأل الله للجميع الهداية والرشاد .
توجيه كلام الإمام ابن تيمية
هذا رأي الإمام ابن تيمية الصريح في المسح على الجوربين واشتراطه إمكان المشي بها عرفاً قال رحمه الله في شرح العمدة 1/253:
وأما ما لا يمكن متابعة المشي فيه إما لضيقه أو ثقله أو تكسره بالمشي أو تعذره كرقيق الخرق أو اللبود لم يجز مسحه لأنه ليس بمنصوص ولا في معنى المنصوص.
ولكن وجدت أكثر المشايخ إنما تمسكوا بهذه الفتاوى المعاصرة أخذاً بكلام للإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في فتاويه في جواز المسح على اللفائف حسب فهمهم حيث قال الإمام ابن تيمية ما نصه : أنه يمسح على اللفائف وهي بالمسح أولى من الخف والجورب فإن تلك اللفائف إنما تستعمل للحاجة في العادة وفي نوعها ضرر إما إصابة البرد وإما التأذي بالحفاء وإما التأذي بالجرح فإذا جاز المسح على الخفين والجوربين فعلى اللفائف بطريق الأولى. انتهى كلامه من مجموع الفتاوى
والمتأمل في كلامه يجد أنه لم يجّوز ذلك إلا لضرورة دفع المرض كالبرد والجروح التي لو وصلها الماء لتضرر المريض ونحوهما.
ولذا فقد قال في شرحه على عمدة الفقه ما نصه: وقد خرّج بعض أصحابنا وجهاً في اللفافة إنه يمسح عليها إذا وجد مشقة بنزعها. انتهى كلامه.
فأين هذا ممن يجيز المسح على الشراب الشفاف والخفيف الذي لا يشق نزعه ؟!!
ففرق بين من أجاز ذلك لدفع ضرر متحقق وبين من يجيزها مطلقاً ،وكل ما يجد طالب العلم من ألفاظ مطلقة للإمام ابن تيمية فإنها مقيدة بكلامه في مواضع أخرى كالتي نقلتها آنفاً فيحمل مطلق كلامه على المقيد كما لا يخفى .مع التنبه إلى أن الإمام ابن تيمية يشير إلى وجه في المذهب حكوه الحنابلة في جواز المسح على اللفافة بشرطين:
الأول: قوتها أي في الثخانة .
والثاني: شدها على القدم (أي لثبوتها) .
قال برهان الدين بن مفلح في شرحه للمقنع:
وحينئذ لا يجوز المسح على ما يسقط لزوال شرطه ولا على اللفائف في المنصوص .وحكاه بعضهم إجماعاً ،لعدم ثبوتها بنفسها ..إلى أن قال : وحكى ابن عبدوس رواية بالجواز بشرط قوتها وشدها .انتهى انظر المبدع 1/145
وقال المرداوي في الإنصاف 1/137 معلقاً على قول الموفق ابن قدامة (أو شد لفائف لم يجز المسح عليها ) فقال المرداوي هذا المذهب نص عليه ـ الإمام أحمد ـ وقطع به أكثرهم .قال الزركشي هو المنصوص المجزوم به عند الأصحاب حتى جعله أبو البركات إجماعاً . انتهى
وقال ابن أبي عمر في الشرح الكبير ما نصه:ولا يجوز المسح على اللفائف والخرق نص عليه أحمد لأنها لا تثبت بنفسها إنما تثبت بشدها ولا نعلم في هذا خلافاً.
وقال الموفق ابن قدامة في المغني:
ولا يجوز المسح على اللفائف والخرق نص عليه أحمد وقيل : إن أهل الجبل يلفون على أرجلهم لفائف إلى نصف الساق قال : لا يجزئه المسح على ذلك إلا أن يكون جورباً وذلك لأن اللفافة لا تثبت بنفسها إنما تثبت بشدها ولا نعلم في هذا خلافاً.
فهذا هو قول الإمام أحمد وأصحابه رحمهم الله تعالى وبه يعلم عدم جواز المسح على الجورب المعهود في عصرنا والله أعلم.
الخاتمة
وفي الختام فإذا كان المسلم ترخص فأخذ بقول الإمام أحمد وغيره في جواز المسح على الجورب غير المنعل وترخص أكثر فأخذ بالوجه المعتمد في المذهب الذي يجيز المسح على جورب الخرق ،فعلى أقل أحوال الإنسان وخصوصاً طالب العلم أن يحتاط لعبادته فيراعي الشروط التي ذكرها علماء المذهب الحنبلي ولا يتوسع حتى يأخذ بزلات بعض المعاصرين فإن العبادات لابد من الحرص على صحتها فيتهم فهمه قبل أن يتهم فهم الفقهاء فإن النفس مجبولة على حب التصدر والرياسة واتباع الهوى نعوذ بالله من ذلك فالجم نفسك بلجام التقى ،واحذر من مكائد الشيطان .
تنبيه:قد يعتذر البعض بالمشقة والكلفة ؟
فأقول :المشقة إن كانت في نزعة :فهي مشقة خفيفة تقتضيها أكثر التكاليف فلابد في التكليف من نوع مشقة ،ولكنها يسيرة وتحت استطاعة المكلف ولم يكلفنا الله إلا بما نستطيع ،والشيطان يكسل العبد عن كثير من الطاعات ولكن واجب العبد أن لايطيع الشيطان لأنه عدو مبين .
وأما إن كانت المشقة لدفع ضرر متحقق:كضرر ببرد شديد يتبعه مرض ونحوه أو مشقة لجرح ونحوه فإن البديل الشرعي موجود ألا وهو التيمم الذي يسر الله به على عبادة فلا وجه لترك رخصة الله تعالى والتعلق بالآراء التي تخالف ما نص عليه الكتاب والسنة وبينه الأئمة رحمهم الله تعالى .
وأسأل الله أن ينفع بهذا المكتوب وأن يشرفني به عند لقاه وأن يجعله ذخراً نافعاً.
والحمد لله وحده والصلاة على نبينا محمد وآله وصحبه .
وكتبه : ماطر بن عبد الله آل غنيم الأحمري .