مفهوم البدعة
بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم البدعة
مقدمة
الحمد لله الأول القديم، الواحد الجليل، الذي ليس له شبيه ولا نظير، أحمده حمداً يوافي نعمه ويبلغ مدى نعمائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة عالم بربوبيته ، عارف بوحدانيته ، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله . اصطفاه لوحيه وختم به أنبياءه، وجعله حجة على جميع خلقه، ” ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة ” سورة الأنفال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r :” إن الله تعالى لا ينزع العلم منكم بعد ما أعطاكموه انتزاعا ولكن يقبض العلماء ويبقى الجهال فيسألون فيفتون فيضلون ويضلون ” .
رواه الطبراني في الأوسط .
ولا شك أن زماننا الحاضر اتسم بقلة العلماء ومدارس العلم ، وانتشار الجهل في العلوم الشرعية ، فكثير من السنن التي كانت معروفة هجرت ، وكثير من الأحكام التي كانت من البديهيات أصبحت من البدع المحرمات وما ذاك إلا لغياب العلم والعلماء ،
ولقد مرت بلاد الإسلام بعصر ازدهار علمي في جميع مجالات الحياة بلغ فيه علماء المسلمون الغاية العظمى والمثال الذي يُحتذَي فأثروا العلم والمعرفة ، وخلفوا لنا الكثير من المصنفات في جميع مجالات العلوم الشرعية والإسلامية تشبع كل طالب منها وناهل .
ونحن إذ نقوم بنشر أقوالهم في بعض مسائل العلم لا ندعي زيادة علم أو اتساع فهم بل نحن ويعلم الله مجرد نقلة وعالة على موائد السابقين رضي الله عنهم وأرضاهم.
فنسأل الله جلت قدرته أن يثيب كل من ساهم بنشر هذا العلم وإحياء هذه السنن المهجورة وعمل بها .. اللهم آمين .
التوطئة
البدعة مبنى صغير لمدلول كبير ، أدرك رسمَه العلماء ، وخلط فيه غيرُهم ، فحملَّوه ما ليس فيه ولا هو منه ، فما يحمله معناه الاصطلاحي يشوبونه بشائبة معناه اللّغوي ، وما كان في معناه اللّغوي ربما حملوه على الاصطلاحي وهكذا …
فأفرزَ هذا الخلط خبطاً ضاع نتيجته المفهوم الصحيح لمصطلح البدعة والذي تعارف عليه واعتمده أئمة العلم والهدى .
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه : المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أُحْدِثَ مما يخالف كتاباً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة، والثانية ما أُحْدِثَ من الخير لا خلافَ فيه لواحدٍ من العلماء وهذه محدثةٌ غيرُ مذمومةٍ وقد قال عمرُ رضي الله عنه في قيام شهر رمضان ” نِعْمَتْ البدعةُ هذه “.
وكعادتنا في بحوثنا نلقي الضوء على ما خفي في المسألة مكتفين بنقل أقوال الأئمة أهل الاختصاص.
وحسبنا أن نبين الرأيَ الآخرَ والذي في الغالب ما يكون إجماعاً أو قول الجمهور.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .
البدعة
قال الشيخ عبد الله محفوظ محمد الحداد باعلوى الحضرمي حفظه الله رئيس القضاء الشرعي سابقاً بحضرموت في كتابه القيم السنة والبدعة :
أصل البدعة من الابتداع وهي كل شيء أحدث على غير مثال سبق، ومنه قوله تعالى:
( بديع السموات والأرض ) ، أي خالقها ابتداءً على غير مثال سبق ومن ذلك قوله تعالى :
( قل ما كنت بدعا من الرسل ) ، أي لست أول من ابتدع هذه الدعوة من الرسالة ولست مخترعاً لها بل هي من عند الله ، ولست أول من جاءه الوحي بل قد أُرْسِلَ قبلي مرسلون .
والبديع من أسمائه تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثها على غير مثال ، أو بمعنى بَدَعَ الخلق أي ابتدأه أو بدأه ، وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده .
فقولهم جئت بأمر بديع أي محدث عجيب لم يعرف من قبل، وفلان بدع هذا الأمر أي هو أول من فعله لم يسبقه أحد فهي هنا بمعنى مبتدع، ويقال رجل بِدْعٌ أي غمر لم يجرب الأمور.
فعلى كل فالكلمة تستعمل في الخير والشر وجاءت لمعان أخرى، وجاء في التنزيل: (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم )، أي اخترعوها لأعلى مثال، فمادة بَدَعَ تدور معانيها على الإحداث والاختراع.
والكلمات اللغوية العامة إذا استعملها الشارع لمعنى شرعي لها لا بد أن يبينها ويبين المراد منها بالقول أو بالعمل، كالألفاظ اللُّغَوية التي أخذها الشارع من اللغة وجعل لها معانيَ شرعية خاصة به فتعتبر حينئذ من قسم المُجمل.
وهذا القسم كما يقول علماء الأصول لا سبيل إلى بيانه وإزالة إجماله وتفسير المراد منه إلا بالرجوع إلى الشارع نفسه ليُؤخذَ منه البيان، كما أُخِذَ منه البيان في ألفاظ الصلاة والزكاة والحج والصوم والربا وغيرها من الألفاظ التي لها معانٍ عامة في اللغة فينقلها الشارع إلى معناها الشرعي الخاص به .
ويُفهم مراد الشارع منها ببيانه الذي بينها به من قول أو عمل، فالصلاة مثلاً بَيَّنَها الرسول r بعَمَلِه فقال:
” صلوا كما رأيتموني أصلي “، والحج كذلك بَيَّنَهُ بالعمل، وإلا فمعنى الصلاة في اللغة مطلق الدعاء، ومعنى الحج في اللغة مطلق الزيارة، ولكن معانيها تحددت بفعل الشارع الذي يبين المراد منها.
كذلك لفظ البدعة اللُّغَوي العام المجمل لا بد من البحث عن بيانه من قول الشارع أو عَمَلِهِ فإذا لم يُحَدّدْ الشارع بالقول المعنى المراد نبحث عن العمل والأفعال لنتعرف منها المعنى الذي أراده الشارع.
السُّنَّة والبدعة
قال الشيخ عبد الله محفوظ في كتابه السنة والبدعة:
السُّنَّةُ والبدعة أمران متقابلان في كلام صاحب الشرع r فلا يتحدَّدُ أحدهما إلا بتحديد الآخر بمعنى أنهما ضدان، ( وبضدها تتبين الأشياء ).
والرسول r حث على السنة أولا ثم حذر من مقابلها ( البدعة ) كما ترى في الأحاديث التالية :
حديث جابر عند مسلم:” كان رسول الله r إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته ويقول:
أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.” وقد أخرجه البخاري موقوفا على ابن مسعود.
يوضحه حديث العرباض عند أبي داود والترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجه وغيرهم ، قال:” وَعَظَنا رسولُ الله r موعظةً بليغةً وَجِلَتْ منها القلوب وذرفت منها العيون ، فقلنا:
يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأَوْصِنا، فقال:
” أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبدٌ حبشيٌ، وإنه من يعشْ بعدي فسيري اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليهم بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة “.
يوضحه أيضا حديث جرير عند مسلم : ” من سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فَلَهُ أجرُها وأجرُ من عمل بها بعده من غير أن ينقصَ من أجورهم شيء ، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ من عمل بها من بعده من غير أن ينقصَ من أوزارهم شيء “.
فأنت تري في الحديث الأول مقابلة المحدثة والمبدعة بالهَدْيِ النَّبَوي ، وأن هدْيَ الرسولِ هو خيرُ الهدي ، والشر في المحدث المناقض لهديه فهو البدعة .
وفي الحديث الثاني مقابلة واضحة ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين … الخ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة “. وفي الحديث الثالث السنة الحسنة مقابل السنة السيئة – من سن سنة حسنة …. ومن سن سنة سيئة – إذاً فالسنة أولاً وهي الأصل وما خرج عنها فهو البدعة، فما هي السنة التي جاءت في حديث العرباض التي قابلها في الحديث بالبدعة ؟
السنة في لغة العرب والشرع
هي الطريقة وهي هدي الرسول r في حديث جابر ، ومنه قول الرسول r : ” لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ ” أي طريقتَهم ، وهو حديث صحيح مشهور .
فليس المراد إذاً ما يفهمه عامة الطلاب فضلاً عن العوام أنها الحديث النبوي أو ما يقابل الفريضة فإن الأول مصطلح المحدثين والثاني مصطلح الفقهاء والأصوليين وكلاهما محدث ليس مراداً هنا، فسنة الرسول r هي طريقته في الفعل والأمر والقبول والرد .
قال الراغب الأصفهاني في ” مفردات القرآن ” في مادة ( سنن ) ما نصه :
فالسنن جمع سنة ، وسنة الرسول r هي طريقته التي كان يتحرَّاها ، وسنة الله تعالى قد تقال لطريقة حكمته وطريقة طاعته نحو قوله تعالى :
( سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) و ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) . فتنبيه أن فروع الشرائع وإن اختلفت صورها فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدل وهو تطهير النفس وترسيخها للوصول إلى ثواب الله.
وقال الحافظ ابن تيمية في كتابه ” الاقتضاء ” ما نصه :
وسنة الجاهلية كل عادة كانوا عليها فإن السنة هي العادة وهي الطريق التي تتكرر لتتسع لأنواع الناس مما يعدُّوَنُه عبادة أو لا يعدونه عبادة. إهـ .
وقال الحافظ في ” الفتح ” عند تفسير الفطرة في خصال الفطرة، قال:
والتعبير في بعض روايات الحديث بالسنة بدل الفطرة يراد بها الطريقة لا التي تقابل الواجب ، وقد جزم بذلك أبو حامد والماوردي وغيرهما وقالوا : هو كالحديث الآخر : ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الخ .”
فإذا تأكدنا من مجموع هذه النصوص و النقول أن المراد بالسنة التي قابلها الرسول r بالبدعة هي الطريقة، فعلينا أن نتعرَّفَ سنَّةَ الرسول r فيما أُحْدِثَ في زمنه r مما لم يكنْ فَعََلََه هو ولا أمرَ به أمراً خاصاً ولكن فهمَه الصحابةُ باجتهادهم وعملوه فما وافق سنته فهو من السنة وما خالف سنته وهديه فهو من البدعة .
ولكن قد يقول قائل:
إن ما أقرَّهُ الرسول r يكون سنةً بإقراره له ونقول : نعم هو كذلك ولا شك ولكنه أيضاً دليل هادٍ إلى تَعَرُّفِ سنة الرسول r في القبول إذ كثير مما أقرّه لم يصبحْ سنةً ولم يقلْ أحدٌ بأنه سنة لأن عمل الرسول r هو الأفضل والأحرى بالإتباع ، ولكنه يعطينا صورة واضحة في أنه r لا يَرُدُّ شيئا من الخير الذي جاء به إذا لم يصادمه نصٌ ولم تترتب عليه مفسدة ولم يعارض هديه r لكنه من الخير الذي جاء به .
وهذا معنى قول العلماء : إن ما شهد له شاهد من الشرع بالطلب خاصاً أو عاماً ليس من البدعة وإن لم يكن الرسول r فعله بخصوصه أو أمر به أمراً خاصاً .
الأدلة التي توضِّح سنة الرسول r فيما يحدث
قال الشيخ عبد الله محفوظ في كتابه السنة والبدعة :
اعلم – يا أخي هدانا الله وإياك إلى الحق والصراط المستقيم – أن هناك أحاديث جمَّة جُلُّها في الصحيح أو من الصحيح تثبت أن عدداً من الصحابة أحدثوا أعمالاً وأذكارا وأدعية ونحو ذلك لم يسبق للرسول r فعلها أو الأمر بها ، ولكنهم فعلوها استنباطاً واعتقاداً أنها من الخير الذي جاء به الإسلام ورسول الإسلام r وحث على مثلها عموما تحت مظلة قوله تعالى :
( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )
وقول الرسول r : ” من سنة في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ” كما سبق .
وهذا الحديث وإن ورد في الصدقة فإن القاعدة الأصولية المجمع عليها أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب “.
وليس معنى ذلك أن لكل أحد أن يشرع فإن الإسلام محدود القواعد والضوابط فلا بد أن يكون ما يسن محفوفا بقواعده وضوابطه وشواهده.
من هذا المنطق فعل كثير من الصحابة باجتهاداتهم أموراً فكانت سنة الرسول r وطريقته قَبول ما كان من العبادة والخير ويتفق مع المشروع ولا يخالفه ، وردُّ ما كان مخالفا لذلك .
فهذه سنته وطريقته التي سار عليها خلفاؤه وصحابته.
واقتبس منها العلماء رضوان الله عليهم، قولهم: إن ما يحدث يجب أن يعرض على قواعد الشريعة بالحسن فهو حسن مقبول، وما شهدت له الشريعة بالمخالفة والقبح فهو المردود وهو البدعة المذمومة.
وقد يسمون الأول بدعة حسنة من حيث اللغة باعتباره محدثاً وإلا فهو في الواقع ليس ببدعة شرعية بل هو سنة مستنبطة ما دامت شواهد الشريعة تشهد لها بالقبول.
شواهد القبول
الحديث الأول:
ما رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله r قال لبلال عند صلاة الفجر: ” يا بلال حدثني بأرجي عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك في الجنة، قال : ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي ” .
وفي حديث الترمذي وقال حسن صحيح قال لبلال : ” بم سبقتني إلى الجنة ؟ قال : ما أذَّنْتُ قط إلا صليت ركعتين ، وما أصابني حدث قط إلا توضأت ورأيت أن لله علي ركعتين ”
فقال النبي r : ” بهما ”
أي نلت تلك المنزلة
ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي.
قال الحافظ ابن حجر في ” الفتح ” :
يستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة، لأن بلالاً توصل إلى ما ذكره في الاستنباط فصوَّبَه الرسول r . ومثل هذا حديث خباب في البخاري وفيه : وهو أول من سن الصلاة لكل مقتول صبراً ركعتين .
فهذه الأحاديث صريحة في أن بلالا وخبابا اجتهدا في توقيت العبادة ولم يسبق من الرسول r أمر ولا فعل إلا الطلب العام وأن ” الصلاة خير موضوع فأقلل منها أو استكثر ” كما في الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة .
الحديث الثاني:
ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما في كتاب الصلاة، في باب ربنا لك الحمد، عن رفاعة بن رافع قال:
كنا نصلي وراء النبي r فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمداً كثيرًا طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال: من المتكلم ؟ قال: أنا، قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها.
قال الحافظ في ” الفتح ” يستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور وعلى جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش .
الحديث الثالث:
رواه الصنعاني عبد الرزاق في المصنف عن ابن عمر قال : جاء رجل والناس في الصلاة فقال حين وصل إلى الصف : ( الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ) ، فلما قضى النبي r صلاته قال : ” من صاحب الكلمات ؟
” قال الرجل : أنا يا رسول الله والله ما أردت بها إلا الخير ، قال : ” لقد رأيت أبواب السماء فتحت لهن ” ، قال ابن عمر : فما تركتهن منذ سمعتهن .
ورواه النسائي في باب القول الذي يفتتح به الصلاة إلا أنه قال: لقد ابتدرها اثنا عشر ملكا .
وفي رواية أخرى فيه قال: عجبت لها، وذكر كلمة معناها: فتحت لها أبواب السماء.
وفيه: قال ابن عمر: ما تركته منذ سمعت رسول الله r يقوله.
فانظر – وفقنا الله وإياك إلى الحق – كيف أقرَّ الرسول r زيادةَ ذكرٍ لم يؤْثر عنه في الاعتدال ، وزيادةَ ذكرٍ لم يؤثر عنه في افتتاح الصلاة ، وأقرَّ فاعلها بأعلى درجات الإقرار والرضا ، ذلك لأن الموضوعين من مواضع الثناء على الله في الصلاة .
الحديث الرابع :
ما رواه البخاري في باب الجمع بين السورتين في الركعة من كتاب الصلاة، عن أنس رضي الله عنه قال :
كان رجلٌ من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما تقرأ به افتتح بـ ( قل هو الله أحد ) حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه أصحابه ، فقالوا : إنك تفتتح بهذه الصورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فقال :
ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي r أخبروه الخبر فقال:
يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة فقال: إني أحبها، فقال :” حبُّك إياها أدخلك الجنة ” .
الحديث الخامس:
روى البخاري في كتاب التوحيد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي r بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بـ ( قل هو الله أحد )، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي r فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ فسألوه فقال: لأنها صفحة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها ، فقال النبي r : أخبروه أن الله يحبه . ومثله في مسلم. فالحديث متفق عليه .
وكلا الأمرين لم يعهد فعله من رسول الله r ، ومع ذلك أقره بأعلى درجات الإقرار وهو التبشير بمحبة الله له .
ومع كل هذا فلم نعلم أن أحداً من العلماء قال باستحباب ذلك افتتاحاً كالحديث السابق ولا اختتاماً كما هنا ، لأن ما واظب عليه الرسول r هو الأفضل ولكن إقراره لمثل هذا يوضح سنته r في قبول ما كان مثل ذلك من أوجه الطاعات والعبادات .
وقد ذكر الشيخ حفظه الله أكثر من سبعين ( 70 ) حديثا لشواهد القبول يمكن الرجوع إليها.
شواهد الرد
الحديث الأول:
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بينما النبي r يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا : أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي r : ” مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه ” .
الحديث الثاني:
روى البخاري ومسلم عن أنس قال : دخل النبي r المسجد فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال : ما هذا الحبل ؟ قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت به، فقال النبي r : ” حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد ” متفق عليه .
فردَّ على زينب تشددها في العبادة وردها إلى طريقته السهلة السمحة كما جاء عن عائشة أن الرسول r قال:
” إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم ، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه ” متفق عليه .
الحديث الثالث:
روى البخاري ومسلم عن أنس قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي r يسألون عن عبادته فلما أخبروا بها تقالَّوها وقالوا :
أين نحن من النبي r وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟
قال أحدهم : فأنا أصلي الليل أبدا
وقال الآخر : أنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر
وقال الآخر : وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا
فجاء الرسول r إليهم فقال: ” أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني “.
هكذا ردَّهم الرسول إلى السنة، ومنعهم الترهب والانقطاع للعبادة بمداومة الصيام ولزوم القيام وهما من الأعمال المشروعة، ولكن دخلها التنطع والتشدد الذي يخالف هديه r ورفقه بأمته.
الحديث الرابع:
ما رواه ابن حيان في صحيحه عن ابن أبي أوفى قال : لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد للنبي r ، فقال له رسول الله r : ما هذا ؟
قال : يا رسول الله قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم ، فأردت أن أفعل ذلك بك ، قال : فلا تفعل فإني لو أمرت شيئاً أن يسجد لشيء لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها، والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها “. ذكره في موارد الظمآن.
وقال في مجمع الزوائد : عن معاذ ، وقال : رواه البزار بتمامه وأحمد باختصار ورجاله رجال الصحيح . وفي الطبراني من طريق أحمد بعضه.
فردَّ الرسول r ما فعله معاذ من السجود، لأن شرعه لا يقبل مثل هذا فإن السجود في الإسلام لا يكون إلا لله.
وذكر الشيخ حفظه الله أكثر من سبعين حديثا . ( 70 ) لشواهد الرد .
ومن هنا يتحدد معنى البدعة المراد في الشرع وهي:
” كل محدث شهد الشرع له بالرفض إما لكونه غير مشروع أصلا، كسجود معاذ للنبي، أو ليس من العبادة، كقيام أبي إسرائيل في الشمس، أو لكونه صادم نهياً، كتخصيص يوم الجمعة بصيام أو ترتبت عليه مفسدة كالرهبنة لما يترتب عليها من ضياع واجبات أخرى للزوجة والأولاد والمجتمع ، ومثلها العمل بالحديث الموضوع لما يترتب عليه من نسبته إلى رسول الله r كذبا أو الزيادة على ما حده الشارع “.
إذاً فليس من البدعة كل طاعة أو عبادة تشهد لها أصول الشرع وقواعده بالقبول، ويدخل في إطار الطلب العام والاستكثار من الخير الذي لم يحدده الشارع بِحَدّ، كالصلوات المفروضة المحددة بركوعاتها، وكذلك النقص عن العدد المحدد كالطواف سبعة أشواط ، فالزيادة فيما حدده الشارع كالنقصان منه يدخل في مخالفة المشروع .
فهم الأئمة الأعلام لمعنى البدعة
أورد الشيخ السيد محمد بن السيد علوي المالكي الحسني في كتابه القيم منهج السلف في فهم النصوص بين النظرية والتطبيق ، والشيخ عيسى بن عبد الله بن محمد مانع الحميري في كتابه البدعة الحسنة أصل من أصول التشريع .
أوردا ما يلي في أقوال السادة العلماء .
روى الإمام مسلم بن الحجاج في ” صحيحه ” بسنده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال :كان رسول الله r إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش
يقول : ” صبحكم ومساكم ”
ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين – ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى –
ويقول: ” أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة “. الحديث .
وبهذا اللفظ رواه أيضاً ابن ماجه عن جابر .
وفي رواية أبي داود : ” وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ” .
وفي رواية النسائي: ” وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار “.
هذا الحديث برواياته أصل من أصول الدين وقواعده المحكمة، ولكن لا بد في فهمه من مراعاة النصوص الأخرى الواردة في هذا الموضوع، ومراعاة روح الشريعة الإسلامية وقواعدها العامة الأخرى.
قال الإمام الحافظ الفقيه محي الدين النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ( وكل بدعة ضلالة ) هذا عام مخصوص، والمراد غالب البدع.
قال أهل اللغة: هي كل شيء عمل على غير مثال سابق.
قال العلماء: البدعة خمسة أقسام:
واجبة، ومندوبة، ومحرمة، ومكروهة، ومباحة.
فمن الواجبة : نظم أدلة المتكلمين للرد على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك .
ومن المندوبة: تصنيف كتب العلم، وبناء المدارس والربط وغير ذلك.
ومن المباح : التبسيط في ألوان الأطعمة وغير ذلك .
والحرام والمكروه ظاهران .
وقد أوضحت المسألة بأدلتها المبسوطة في تهذيب الأسماء واللغات، فإذا عُرف ما ذكرته، عُلم أن الحديث من العام المخصوص.
وكذا ما أشبه من الأحاديث الواردة ، ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التراويح : نِعْمَتْ البدعة.
ولا يمنع من كون الحديث عاماً مخصوصاً قوله: ( كل بدعة ) مؤكداً ( بكل )، بل يدخله التخصيص مع ذلك، كقوله تعالى: ( تدمر كل شيء ) انتهى.
أقوال العلماء
النووي
قال الإمام الرباني المجمع على إمامته محي الدين النووي رضي الله عنه فى كتابه الأسماء واللغات :
( بدع ) البدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله r وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة .
قال الشيخ الإمام ، المجمع على إمامته، وجلالته، وتمكنه في أنواع العلوم، وبراعته
أبو محمد عبد العزيز عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في آخر كتابه القواعد:
البدعة منقسمة إلى واجبة، ومحرمة، ومندوبة، ومكروهة، ومباحة، قال:
والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فان دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة أو في قواعد التحريم فمحرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة.
وللبدع الواجبة أمثلة
منها الاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله تعالى وكلام رسول الله r وذلك واجب، لأن حفظ الشريعة واجب، ولا يأتي حفظها إلا بذلك وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الثاني حفظ غريب الكتاب والسنة من اللغة
والثالث تدوين أصول الدين وأصول الفقه
والرابع الكلام في الجرح والتعديل وتمييز الصحيح من السقيم، وقد دلَّت قواعد الشريعة على أن حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد على المتعين، ولا يتأتي ذلك إلا بما ذكرنا .
وللبدع المحرمة أمثلة
منها مذاهب القدرية، والجبرية، والمرجئة، والمجسمة، والرد على هؤلاء من البدع الواجبة.
وللبدع المندوبة أمثلة منها
إحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول ، ومنها التراويح، والكلام في دقائق التصوف، وفي الجدل، ومنها جمع المحافل للاستدلال إن قصد بذلك وجه الله تعالى.
وللبدع المكروهة أمثلة
كزخرفة المساجد، وتزويق المصاحف
وللبدع المباحة أمثلة منها
المصافحة عقب الصبح والعصر ، ومنها التوسع في اللذيذ في المآكل والمشارب والملابس والمساكن، ولبس الطيالسة، وتوسيع الأكمام، وقد يختلف في بعض ذلك فيجعله بعض العلماء من البدع المكروهة ويجعله آخرون من السنن المفعولة في عهد رسول الله r فما بعده وذلك كالاستعاذة في الصلاة والبسملة . هذا آخر كلامه .
وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي رضي الله عنه قال :
المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما:
ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثراً أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة
والثانية:
ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من العلماء، وهذه محدثة غير مذمومة وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان نعمت البدعة هذه يعني أنها محدثة لم تكن وإذا كانت ليس فيها رد لما مضى.
هذا آخر كلام الشافعي رضي الله تعالى عنه .
الخطابي
قال الإمام أبو سليمان أحمد بن محمد الخطابي البستي المتوفى سنة 388 في شرح هذه الحديث : وقوله ” كل محدثة بدعة ” فإن هذا خاص في بعض الأمور دون بعض وهي كل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه، وأما ما كان منها مبنياً على قواعد الأصول ومردوداً إليها فليس ببدعة ولا ضلالة والله أعلم.
وفي قوله ” وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ” دليل على أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولاً وخلفه فيه غيره من الصحابة كان المصير إلى قول الخليفة أولى.
ابن عبد البر
قال الإمام الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري الأندلسي :
وأما قول عمر: نعمت البدعة ، فالبدعة في لسان العرب اختراع ما لم يكن وابتداؤه فما كان من ذلك في الدين خلافاً للسنة التي مضى عليها العمل ، فتلك بدعة لا خير فيها وواجب ذمها والنهي عنها والأمر باجتنابها وهجران مبتدعها إذا تبين له سوء مذهبه ، وما كان من بدعة لا تخالف أصل الشريعة والسنة فتلك نعمت البدعة ، كما قال عمر ، لأن أصل ما فعله سنة .
وكذلك قال عبد الله بن عمر في صلاة الضحى، وكان لا يعرفها، وكان يقول: وللضحى صلاة ؟
وذكر ابن أبي شيبة عن أبن عليه عن الجريري عن الحكم عن الأعرج قال : سألت ابن عمر عن صلاة الضحى فقال : بدعة ونعمت البدعة ، وقد قال تعالى حاكياً عن أهل الكتاب:
( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ).
وأما ابتداع الأشياء من أعمال الدنيا فهذا لا حرج فيه ولا عيب على فاعله.
ابن حزم
قال الحافظ علي بن محمد بن حزم رحمه الله ، المتوفى سنة 456 هـ .
البدعة في الدين، كل ما لم يأت في القرآن ، ولا عن رسول الله r ، إلا أن منها ما يؤجر عليه صاحبه ، ويعذر بما قصد إليه من الخير ، ومنها ما يؤجر عليه ويكون حسناً ، وهو ما كان أصله الإباحة ، كما روي عن عمر رضي الله عنه : ” نعمت البدعة هذه ” . وهو ما كان فعل خير وجاء النص بعمومه استحباباً ، وإن لم يقرر عمله في النص ، ومنها ما يكون مذموماً ولا يعذر صاحبه ، وهو ما قامت الحجة على فساده فتمادى القائل به . انتهى .
الغزالي
قال حجة الإسلام الإمام الغزالي : المتوفى سنة 505 هـ :
البدعة قسمان: بدعة مذمومة وهي ما تصادم السنة القديمة ويكاد يفضي إلى تغييرها. وبدعة حسنة ما أحدث على مثال سبق. انتهى .
ابن الجوزي
قال الإمام المحدث عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي رحمه الله المتوفى سنة 597 .
” البدعة عبارة عن فعل لم يكن فابتدع ، والأغلب في المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة ، وتوجب التعالي عليها بزيادة أو نقص ، فإن ابتدع شيء لا يخالف الشريعة ، ولا يوجب التعالي عليها فقد كن جمهور السلف يكرهونه ، وكانوا ينفرون من كل مبتدع وإن كان جائزاً ، حفظاً للأصل وهو الإتباع . وقد قال زيد بن ثابت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما حين قالا له : ” اجمع القرآن ” . كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله r .
ثم قال ابن الجوزي : إن القوم كانوا يتحذرون من كل بدعة وإن لم يكن بها بأس لئلا يحدثوا ما لم يكن ، وقد جرت محدثات لا تصادم الشريعة ولا تتعارض معها ، فلم يروا بفعلها بأساً مثل جمع عمر الناس على صلاة القيام في رمضان فقال : نعمت البدعة هذه . انتهى .
أبو شامة
قال الإمام أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي الشافعي رحمه الله تعالى ، المتوفى سنة 665 هـ .
البدعة : الحدث ، وهو ما لم يكن في عصر النبي r ، مما فعله أو أقر عليه ، أو علم من قواعد شريعته الإذن فيه ، وعدم النكير . وفي معنى ذلك : ما كان في عصر الصحابة رضي الله عنهم مما أجمعوا عليه قولاً أو فعلاً أو تقريراً ، وكذا ما اختلفوا فيه ، فإن اختلافهم رحمة مهما كان للاجتهاد والتردد مساغ ، وليس لغيرهم إلا الإتباع دون الابتداع .
ثم قال أبو شامة: ” ثم الحوادث منقسمة إلى بدع مستحسنة، وبدع مستقبحة. ( ثم نقل قول الإمام الشافعي في البدعة، الذي تقدم ، ثم قال:
قلت : وإنما كان كذلك لأن النبي r حث على قيام شهر رمضان وفعله هو r بالمسجد ، واقتدى فيه بعض الصحابة ، ليلة بعد أخرى ، ثم ترك النبي r فعلها بالمسجد جماعة وعلل ذلك بأنه خشي أن تفرض عليهم ، فلما قبض النبي r أمن ذلك ، فاتفق الصحابة على فعل قيام رمضان في المسجد جماعة ، لما فيه من إحياء هذا الشعار الذي أمر به الشرع ، وفعله ، والحث عليه ، والترغيب فيه ، والله أعلم .
فالبدع الحسنة: متفق على جواز فعلها، والاستحباب لها، ورجاء الثواب لمن حسنة نيته فيها، وهي كل مبتدع موافق لقواعد السريعة غير مخالف لشيء منها ولا يلزم من فعله محذور شرعي.
ابن الأثير
قال ابن الأثير رحمه الله : ” البدعة بدعتان : بدعة هدى وبدعة ضلالة ..
فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله r ، فهو في حيز الذم والإنكار ، وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه أو رسوله فهو في حيز المدح ، وما لم يكن له مثال موجود كنوع من السخاء والجود وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة ، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به ، لأن النبي r قد جعل له في ذلك ثواباً فقال : ” من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها… وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله r .
قال الشيخ عيسى بن مانع الحميري تعليقاً على كلام الإمام ابن الأثير :
ومثل للبدعة الحسنة بقول عمر في صلاة التراويح : ” نعمت البدعة ” ثم قال : وهي على الحقيقة سنة لقوله r:
” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين “، وقوله: ” اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ” ، وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر : ” كل محدثة بدعة ” إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة .
ابن رجب
قال العلامة الحجة الفقيه المحدث الإمام زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد المعروف بابن رجب الحنبلي في شرح حديث ” كل بدعة ضلالة ” قوله : ” وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة ” تحذير للأمة من إتباع الأمور المحدثة المبتدعة ، وأكد ذلك بقوله : ” كل بدعة ضلالة “.
والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل من الشرع يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة ، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي r كان يقول في خطبته : ” إن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة “.
وأخرج الترمذي وابن ماجه من حديث كثير بن عبد الله المزني وفيه ضعف عن جده عن النبي r قال : ” من ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ولا رسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً ” .
وخرّج الإمام أحمد من رواية غضيف بن الحارث الشمالي قال :
بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال : إنا قد جمعنا الناس على أمرين رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة ، والقصص بعد صلاة الصبح والعصر ، فقال : أما إنهما أمثل بدعتكم عندي ولست بمجيبكم إلى شيء منها ، لأن النبي r قال : ” ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة ” .
وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنه من قوله نحو هذا ، فقوله r : ” كل بدعة ضلالة ” من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله r :
” من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ” فكل ما أحدث شيئاً ونسبة إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة.
السبكي
قال الإمام السبكي رحمه الله تعالى : البدعة في الشرع إنما يراد بها الأمر الحادث الذي لا أصل له في الشرع ، وقد يطلق مقيداً ، فيقال : بدعة هدى ، وبدعة ضلالة . انتهى .
العيني
قال الحافظ الفقيه بدر الدين العيني رحمه الله المتوفى سنة 885 هـ . في عمدة القاري :
البدعة في الأصل إحداث أمر لم يكن في زمن رسول الله r ، ثم البدعة على نوعين، إن كانت مما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعة حسنة، وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة مستقبحة.
ابن حجر
قال الحافظ ابن حجر في ” الفتح ” : والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق ، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة ، وإلا فهي من قسم المباح ، وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة .
الكرماني
قال الكرماني في شرحه للبخاري :
البدعة كل شيء عمل على غير مثال سابق، وهي خمسة أقسام:
واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة. وحديث ” كل بدعة ضلالة ” من العام المخصوص .
الدهلوي
قال الشيخ عبد الحق الدهلوي : في شرح المشكاة : إعلم أن كل ما ظهر بعد رسول الله r بدعة ، وكل ما وافق أصول سنته وقواعدها أو قيس عليها فهو بدعة حسنة ، وكل ما خالفها فهو بدعة سيئة وضلالة .
الصنعانى
قال الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني في ” سبل السلام ” في شرح قوله ” كل بدعة ضلالة ” : البدعة لغة : ما عمل على غير مثال سابق ، والمراد بها هنا ما عمل من دون أن يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة .
وقد قسم العلماء ، البدعة على خمسة أقسام : واجبة كحفظ العلوم بالتدوين والرد على الملاحدة بإقامة الأدلة ، ومندوبة كبناء المدارس ، ومباحة كالتوسعة في ألوان الأطعمة وفاخر الثياب ، ومحرمة ومكروهة وهما ظاهران . فقوله : ” كل بدعة ضلالة ” عام مخصوص .
الغماري
قال السيد المحدث عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله : البدعة الحسنة ما كانت على غير مثال سابق ولها أصل .
وقال في موضع آخر : البدعة الحسنة هي التي توافق أصول الشرع وإن كانت محدثة باعتبار شخصها ، فهي مشروعة باعتبار نوعها لدخولها في قاعدة شرعية أو عموم آية أو حديث ، ولهذا سُمِّيَتْ حسنة . إ هـ .
اللكنوى
ولقد لخَّص الإمام أبو الحسنات محمد بن عبد الحي اللكنوى كلام أئمة السلف وموقفهم من هذا الحديث في قولين ، فقال : اختلف العلماء في هذا الباب على قولين :
الأول:
أن حديث ” كل بدعة ضلالة ” عام مخصوص البعض ، والمراد به البدعة السيئة ، وقسموا البدعة إلى واجبة ومندوبة ومكروهة ومحرمة ومباحة ، وهو الذي رواه أبو نعيم في ” حلية الأولياء ” عن الإمام الشافعي ، أنه قال : المحدثات في الأمور ضربان :
أحدهما:
ما أحدث مما خالف كتاباً أو سنة، أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة هي الضلالة.
وثانيهما:
ما أحدث من الخير وهذه غير مذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان : نعمت البدعة هذه ، يعني أنها محدثة لم تكن .
وبه صرح الشيخ عز الدين بن عبد السلام في كتاب ” القواعد ” والنووي في ” تهذيب الأسماء واللغات ”
وعلى القاري في ” شرح المشكاة ”
وابن ملك في ” مبارق الأزهار شرح مشارق الأنوار ”
والسيوطي في رسالته ” حسن المقصد في عمل المولد ” ورسالته ” المصابيح في صلاة التراويح ” والقسطلاني في ” إرشاد الساري شرح صحيح البخاري ”
والزرقاني في شرح الموطأ ”
والحافظ أبو شامة في كتابه ” الباعث على إنكار البدع والحوادث ”
والحلبي في ” إنسان العيون في سيرة النبي المأمون ” وغيرهم
فعلى هذا القول، البدعة التي هي ضد السنة، هي البدعة المكروهة والمحرمة ، وأما ما سواهما من البدعات فلا تكون سيئة .
والقول الثاني:
وهو الأصح بالنظر الدقيق، أن حديث ” كل بدعة ضلالة ” باق على عمومه، وأن المراد به البدعة الشرعية ، وهي ما لم يوجد في القرون المشهود لهم بالخير، ولم يوجد لـه أصل من الأصول الشرعية، ومن المعلوم أن كل ما كان على هذه الصفة فهو ضلالة قطعاً، وإلى هذا القول مال السيد السند في ” شرح المشكاة ” والحافظ ابن حجر في ” هدي الساري مقدمة فتح الأربعين ” وغيرهم .
هذا وقد نقل العلماء والمحدثون والحفاظ في كتبهم هذا الفهم للحديث الشريف ، واعتبروه حجة مرضية وطريقة شرعية معتمدة يرضاها كل ذي عقل سليم وفهم قويم ،ومن أولئك:
الشيخ أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي الذي نقل كلام ابن رجب في كتابه ” عون المعبود شرح سنن أبي داود ” .
ومنهم الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن المباركفورى الذي نقل كلام ابن رجب في كتابه ” تحفة الأحوذى بشرح جامع الترمذي ” .
ومنهم الشيخ خليل أحمد السهارنفورى الذي نقل كلام الخطابي في كتابه ” بذل المجهود في حل أبي داود ” .
نماذج من الأمور المحدثة
التي لم تكن في العهد النبوي
قال الشيخ السيد محمد بن السيد علوي المالكي في كتابه منهج السلف في فهم النصوص بين النظرية والتطبيق:
وسنذكر فيما يأتي نماذج لبعض المسائل المحدثة التي لم تكن في العهد النبوي بكيفياتها وصورها وهيئتها الجديدة وإن وجدت أصولها ولكنها مع ذلك معدودة في البدع الحسنة .
جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر
أخرج الإمام البخاري عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه – وكان ممن يكتب الوحي – قال : أرسل إِلَيَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة ، وعنده عمر ، فقال أبو بكر :
إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن،
قال : أبو بكر : قلت لعمر : كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله r ؟
فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر، قال زيد ابن ثابت: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك ، كنت تكتب الوحي لرسول الله r فتتبع القرآن فاجمعه .
فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على مما أمرني به من جمع القرآن ، قلت : كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي r ؟
فقال أبو بكر : هو والله خير ، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر ، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال ، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم ) إلى آخرهما .
وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر . رواه البخاري .
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: ومن ذلك جمع الصحف في كتاب واحد توقف فيه زيد بن ثابت، وقال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: كيف تفعلان ما لم يفعله النبي r ؟
ثم علم أنه مصلحة فوافق على جمعه ، وقد كان النبي r يأمر بكتابة الوحي ولا فرق بين أن يكتب مفرقاً أو مجموعاً ، بل جمعه صار أصلح وكذلك جمع عثمان الأمة على مصحف وإعلامه لمن خالفه خشية تفرق الأمة ، وقد استحسنه علي وأكثر الصحابة رضي الله عنهم وكان ذلك عين المصلحة .
فإن قال قائل:
إن عد كتابة المصحف وجمعه من الأمور المحدثة خطأ لأن القرآن كان مجموعا محفوظا في زمنه r .
فالجواب : إن الخطأ هو عين ما قال ، لأن المصحف أبداً لم يكن مجموعاً بهذا الصورة والكيفية من الترتيب والشكل والتنقيط والتلوين والتحزيب والتجزيء ، ولو كان ذلك كذلك لم ينكر أبو بكر على عمر ولا زيد عليهما بأنه شيء لم يفعله النبي r يريدان بالكيفية التي حصلت بعد في عهده رضي الله عنه .
قال الشيخ السيد محمد بن السيد علوي المالكي في منهج السلف:
وقد قبل الناس ما جَدَّ بعد عهد الخلفاء الراشدين وعصر الصحابة من تشكيل آيات القرآن، ونقط حروفه ،وتنظيم الأجزاء والأرباع والسجدات ، ووضع العلامات على كل عشر آيات ، وعدِّ سور القرآن ، وترقيم آياته ، وبيان المكي والمدني في رأس كل سورة ، ووضع العلامات التي تبين الوقف الجائز وممنوع ، وبعض أحكام التجويد كالإدغام والتنوين ونحوها من سائر الاصطلاحات التي وضعت في المصاحف
وكذلك قبل الناس تدوين علوم اللغة وأصول الفقه وأصول الدين، وسائر العلوم الخادمة للشريعة.
فكل هذه الأمور وقعت بعد عهده r ولم يجعلها أحد من محدثات وبدع الضلالة ، ولم يقل أحد إن حديث ” كل بدعة ضلالة ” يشملها بل عدوا ذلك من المستحسنات ، لأنها لا تصادم نصاً ولا شيئاً من أسس التشريع ، وتتحقق بها مصلحة مفيدة وهي المحافظة على تيسير تلاوة القرآن وحفظه وحسن ترتيله ومعرفة بعض الأحكام وذلك من الضروريات التي ترجع إلى حفظ الدين .
الأذان الأول يوم الجمعة
قال ابن رجب الحنبلي : ومن ذلك أذان الجمعة الأول فقد زاده عثمان لحاجة الناس إليه ، وأقره علي واستمر عمل المسلمين عليه ، وروي عن ابن عمر أنه قال : هو بدعة ، ولعله أراد ما أراد أبوه عمر في قيام شهر رمضان ا هـ كلام ابن رجب .
قال الشيخ السيد محمد بن السيد علوي المالكي في منهج السلف
قلت :
والأصل في هذا الموضوع هو ما رواه البخاري في ” صحيحه ” عن السائب ابن يزيد قال :
كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي r وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء ، وهي دار في سوق المدينة ، وسمي هذا الأذان ثالثا باعتبار إضافته إلى الأذان الأول والإقامة ، ويقال لـه أول باعتبار سبقه في الزمان على أذان الجمعة ، ويقال له ثان بإسقاط اعتبار الإقامة .
وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال:
الأذان الأول يوم الجمعة بدعة، قال الحافظ في ” الفتح “: فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار ويحتمل أنه يريد أنه لم يكون في زمن النبي r ، وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة ، لكن منها ما يكون حسناً ومنها ما يكون بخلاف ذلك إ هـ .
قال الشيخ : فهذا التوجيه لكلام ابن عمر ” بدعة ” من المخارج الحسنة اللازمة الملائمة لروح النصوص الشرعية ، وينبغي أن يجري ذلك في كثير من الأمور المستحدثة التي تنطوي على مصالح عامة ونافعة ومفيدة .
مقام إبراهيم
قال الشيخ السيد محمد بن السيد علوي المالكي الحسني في منهج السلف : كان مقام إبراهيم ملتصقاً بالبيت من عهده عليه الصلاة والسلام إلى أن أخره عمر .
أخرج البيهقي بسند قوي عن عائشة قالت : إن المقام كان في زمن النبي r وفي زمن أبي بكر ملتصقاً بالبيت ، ثم أخره عمر ، قال الحافظ ابن حجر :
ولم تنكر الصحابة فعل عمر ولا من جاء بعدهم فصار إجماعاً ، قال : وكأن عمر رأى أن إبقاءه يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين فوضعه في مكان يرتفع فيه الحرج ، وتهيأ له ذلك، لأنه هو الذي كان أشار باتخاذه مصلى، وأول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن. اهـ
قال الشيخ : فعمر حول المقام من مكانه في عهد إبراهيم وعهد النبي r لمصلحة رآها في تحويله وعمل عليه المقصورة ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ما فعل فيه لأنهم رأوا المصلحة مثل ما رأى .
تعدد الجمعة في بلد واحد
قال الشيخ السيد محمد بن السيد علوي المالكي الحسني في منهج السلف :
تعدد الجمعة في البلد الواحد لم يكن في عهد النبي r ولا عهد الصحابة ولا عهد التابعين ، وهي بدعة حسنة بلا شك دعت إليها الحاجة والضرورة لاتساع العمران وكثرة السكان بحيث يتعذر اجتماعهم في مسجد واحد .
قال الأثرم : قلت لأحمد : أجمع جمعتين في مصر ؟ قال : لا أعلم أحداً فعله
وروى البيهقي في ” المعرفة ” من طريق أبي داود عن بكير بن الأشج قال : كان في المدينة تسعة مساجد مع مسجده r يسمع أهلها أذان بلال فيصلون في مساجدهم ، زاد يحيي : ولم يكونوا يصلون الجمعة في شيء من تلك المساجد إلا مسجد النبي r
وهذا الحديث وإن كان مرسلاً إلا أنه يشهد لـه ما في ” الصحيح ” من أهل العوالي كانوا يصلون مع النبي r ، وكذلك أهل قباء كما رواه ابن ماجه وابن خزيمة ، وروى البيهقي أيضاً : أن أهل ذي الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة
قال البيهقي : ولم ينقل أنه أذن لأحد في إقامة الجمعة في شيء من مساجد المدينة ولا في القرى التي بقربها
قال ابن المنذر : لم يختلف الناس أن الجمعة لم تكن تصلي في عهد النبي r وفي عهد الخلفاء الراشدين إلا في مسجد النبي r وفي تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة واجتماعهم في مسجد واحد أبين البيان بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات وأنها لا تصلى إلا في مكان واحد
قال: ولا أعلم أحداً قال بتعدد الجمعة غير عطاء إ هـ.
التراويح
قال الشيخ السيد محمد بن السيد علوي المالكي الحسني في منهج السلف :
كانت التراويح في عهد أبى بكر وصدر من خلافة عمر رضي الله عنهما تصلى كما كانت في عهده r كما رواه مسلم : فيصليها الناس أوزاعاً متفرقين ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته نفر ، وظلت القراءة طويلة في زمن الصديق كما رواه مالك عن عبد الله بن أبى بكر قال : سمعت أبي يقول : كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر .
ومما أثر في زمن الصديق رضي الله عنه ما رواه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قال:
كنا نأخذ الصبيان من الكتاب ليقوموا بنا في شهر رمضان.
وبعد صدر من خلافة عمر رضي الله عنه تغير الحال وحصلت طريقة جديدة لم تكن من قبل ، رضي عنها وأقرَّها من كان في ذلك العهد من كبار أصحاب الرسول r وهم أئمة السلف وميزان الشريعة وحملة السنة
لأنهم علموا أن هذا الذي فعله عمر لا يناقض الأصول ولا يعارض القواعد بل هو مندرج تحت كل ذلك اندراجاً صحيحاً ، وهكذا كل ما جد واستحدث من الكيفيات والهيئات والصور والطرق التي على هذا المنوال ومن هذا الباب فإنها داخلى تحته بلا معارض .
روى البخاري ومالك في الموطأ ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال :
خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر رضي الله عنه :
إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ،
قال عمر: نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون أوله . إ هـ .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا